فصل: باب ما يحدث في المسجد والسوق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.باب النهر:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ): وَإِذَا احْتَفَرَ الرَّجُلُ نَهْرًا فِي مِلْكِهِ أَوْ جَعَلَ عَلَيْهِ جِسْرًا أَوْ قَنْطَرَةً فِي أَرْضِهِ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيمَا أَحْدَثَهُ فِي مِلْكِهِ وَالْمُسَبِّبُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا لَا يَكُونُ ضَامِنًا وَإِذَا حَفَرَ الْبِئْرَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبِئْرِ فَيَكُونُ ضَامِنًا لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا فِي السَّبَبِ وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَ عَلَيْهِ جِسْرًا أَوْ قَنْطَرَةً فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَالْجِسْرُ اسْمٌ لِمَا يُوضَعُ وَيُرْفَعُ فَلَا يَرْجِعُ وَالْقَنْطَرَةُ مَا يُحْكَمُ بِنَاؤُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا فِي هَذَا وَإِنْ أَحْدَثَهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ مُحْتَسِبٌ فِيمَا صَنَعَ فَإِنَّ النَّاسَ يَنْتَفِعُونَ بِمَا أَحْدَثَهُ فَلَا يَكُونُ هُوَ مُتَعَدِّيًا فِيهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: إنَّمَا يَكُونُ مُحْتَسِبًا إذَا جَعَلَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ بِمَنْزِلَةِ حَفْرِ الْبِئْرِ فَإِنَّهُ مُحْتَسِبٌ فِيهِ أَيْضًا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاسُ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا فَعَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ كَانَ ضَامِنًا لِمَا يُعْطَبُ بِهِ فَإِنْ مَشَى عَلَى جِسْرِهِ إنْسَانٌ مُتَعَمِّدًا لِذَلِكَ فَانْخَسَفَ بِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذَا تَعَمَّدَ الْمَشْيَ عَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ وُقُوعُهُ مُضَافًا إلَى فِعْلِهِ لَا إلَى تَسَبُّبِ مَنْ اتَّخَذَ الْجِسْرَ.
وَلَوْ حَفَرَ نَهْرًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَانْشَقَّ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ مَاءٌ فَغَرَق أَرْضًا أَوْ قَرْيَةً كَانَ ضَامِنًا لِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَسَالَ الْمَاءَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: هُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ أَوْ يُقَالُ هُوَ مُبَاحٌ لَهُ وَلَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَالتَّلَفُ بِهَذَا مِمَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَكَانَ ضَامِنًا كَالْمَشْيِ وَالسَّيْرِ عَلَى الدَّابَّةِ فِي الطَّرِيقِ وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا لِأَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ مُطْلَقٌ.
وَكَذَلِكَ لَوْ سَقَى أَرْضَهُ فَخَرَجَ الْمَاءُ مِنْهَا إلَى غَيْرِهَا لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ سَقْيَ أَرْضِهِ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ وَذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ مُطْلَقًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَحْرَقَ حَشِيشًا فِي أَرْضِهِ أَوْ حَصَائِدَ أَوْ أَجَمَةً فَخَرَجَتْ النَّارُ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ وَأَحْرَقَتْ شَيْئًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِهِ مُبَاحٌ لَهُ مُطْلَقًا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: هَذَا إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ سَاكِنَةً حِينَ أَوْقَدَ النَّارَ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْيَوْمُ رِيحًا عَلَى وَجْهٍ يَعْلَمُ أَنَّ الرِّيحَ يَذْهَبُ بِالنَّارِ إلَى أَرْضِ جَارِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ اسْتِحْسَانًا بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَبَّ الْمَاءَ فِي مِيزَابٍ لَهُ وَتَحْتَ الْمِيزَابِ مَتَاعٌ لِإِنْسَانٍ يَفْسُدُ بِهِ قَالَ: هُوَ ضَامِنٌ فَكَذَلِكَ النَّارُ يُوقِدُهَا الرَّجُلُ فِي دَارِهِ أَوْ تَنُّورِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا احْتَرَقَ لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِهِ مُبَاحٌ لَهُ مُطْلَقًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ حَفَرَ نَهْرًا أَوْ بِئْرًا فِي دَارِهِ فَنَزَّتْ مِنْ ذَلِكَ أَرْضُ جَارِهِ لَمْ يَضْمَنْ بِهَذَا السَّبَبِ شَيْئًا وَلَا يُؤْمَرُ بِأَنْ يُحَوِّلَ ذَلِكَ عَنْ مَوْضِعِهِ لِأَنَّهُ أَحْدَثَهُ فِي مِلْكِهِ إلَّا أَنَّهُ بَقِيَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ أَنْ يَكُفَّ عَمَّا يُؤْذِي جَارَهُ فَأَمَّا الْحُكْمُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَرُ أَنْ يُحَوِّلَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ.
وَلَوْ صَبَّ الْمَاءَ فِي مِلْكِهِ فَخَرَجَ مِنْ صَبِّهِ ذَلِكَ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَأَفْسَدَهُ كَانَ هَذَا وَالْأَوَّلُ فِي الْقِيَاسِ سَوَاءً إلَّا أَنَّ صَبَّ الْمَاءِ فِي مِلْكِهِ مُبَاحٌ لَهُ مُطْلَقًا غَيْرَ أَنَّ الْأَخْذَ بِالْقِيَاسِ هَاهُنَا يَقْبُحُ لِأَنَّ الْمَاءَ سَيَّالٌ بِطَبْعِهِ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ صَبِّ الْمَاءِ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسِيلُ إلَى مِلْكِ جَارِهِ يَكُونُ ضَامِنًا لِمَا يُفْسِدُ بِهِ اسْتِحْسَانًا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ صَبَّهُ فِي مِيزَابٍ لَهُ فَأَفْسَدَ مَتَاعًا لَهُ تَحْتَهُ يَكُونُ ضَامِنًا وَيُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ جِنَايَتِهِ بِمَنْزِلَةِ مُبَاشَرَتِهِ بِيَدِهِ وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِيمَا يُشْبِهُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.باب ما يحدث في المسجد والسوق:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ): وَإِذَا احْتَفَرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فِيهِ بِئْرًا لِمَاءِ الْمَطَرِ أَوْ وَضَعُوا فِيهِ حُبًّا فَصُبَّ فِيهِ الْمَاءُ أَوْ طَرَحُوا فِيهِ بَوَارِي أَوْ حَصَى أَوْ رَكَّبُوا فِيهِ بَابًا أَوْ عَلَّقُوا فِيهِ قَنَادِيلَ أَوْ ظَلَّلُوهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَا عَطِبَ بِذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ التَّصَرُّفِ مُبَاحٌ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ فِي مَسْجِدِهِمْ مُطْلَقًا فَإِنَّ حَقَّ التَّدْبِيرِ فِي الْمَسْجِدِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِصْلَاحِ إلَيْهِمْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَكُونُ لِلْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ فَكَمَا أَنَّ الْمَالِكَ لَا يَكُونُ جَانِيًا بِإِحْدَاثِ شَيْءٍ مِنْ هَذَا فِي مِلْكِهِ فَكَذَلِكَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فِي مَسْجِدِهِمْ وَكَذَلِكَ إنْ فَعَلَهُ غَيْرُهُمْ بِإِذْنِهِمْ لَا يَكُونُ فِعْلُ الْمَأْذُونِ مِنْ جِهَتِهِمْ كَفِعْلِهِمْ وَإِنْ فَعَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ فَهُوَ ضَامِنٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا كَانَ مَسْجِدٌ لِلْعَامَّةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ اسْتِحْسَانًا إلَّا الْبِنَاءَ وَالْحَفْرَ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ هَذَا مِمَّا يَرْجِعُ إلَى إصْلَاحِ الْمَسْجِدِ وَعِمَارَةُ الْمَسْجِدِ مِمَّا نَدَبَ اللَّهُ إلَيْهَا كُلَّ مُسْلِمٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} الْآيَةُ ثُمَّ بِتَعْلِيقِ الْقِنْدِيلِ وَبَسْطِ الْحُصْرِ يَتَمَكَّنُ النَّاسُ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرُ أَهْلِ الْمَسْجِدِ سَوَاءٌ فِي إقَامَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ فَكَذَلِكَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى التَّمَكُّنِ مِنْهُ إلَّا أَنَّ أَهْلَ الْمَسْجِدِ أَخَصُّ بِالتَّدْبِيرِ فَهُمْ فِي ذَلِكَ كَالْمُلَّاكِ وَغَيْرُهُمْ كَالسُّكَّانِ نَحْوُ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ فِي الدَّارِ ثُمَّ الْمُسْتَعِيرُ لَا يَكُونُ جَانِيًا فِي وَضْعِ الْأَمْتِعَةِ وَصَبِّ الْمَاءِ وَنَصْبِ الْقِنْدِيلِ فِي الدَّارِ وَيَكُونُ جَانِيًا فِي الْبِنَاءِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الدَّارِ فَكَذَلِكَ غَيْرُ أَهْلِ الْمَسْجِدِ فِي الْمَسْجِدِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُعَدٌّ لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَالْبِنَاءُ وَالْحَفْرُ يُخْرِجُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُصَلَّى فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّدْبِيرِ لَا مِنْ بَابِ التَّمْكِينِ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ فَيَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْمَسْجِدِ دُونَ غَيْرِهِمْ فَيَكُونُ جَانِيًا إذَا فَعَلَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ وَإِذْنِهِمْ فَأَمَّا بَسْطُ الْحَصِيرِ وَنَصْبُ الْقِنْدِيلِ فَمِنْ بَابِ التَّمْكِينِ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ فَغَيْرُ أَهْلِ الْمَسْجِدِ فِيهِ كَأَهْلِ الْمَسْجِدِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: اخْتَصَّ أَهْلُ الْمَسْجِدِ بِالتَّدْبِيرِ فِي هَذِهِ الْبُقْعَةِ فَغَيْرُهُمْ إذَا أَرَادَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يُبَاحُ لَهُ فِعْلُهُ وَلَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْيِ وَالسَّيْرِ عَلَى الدَّابَّةِ فِي الطَّرِيقِ وَالدَّلِيلُ عَلَى اخْتِصَاصِ أَهْلِ الْمَسْجِدِ بِهِ أَنَّ التَّدْبِيرَ فِي فَتْحِ الْبَابِ وَإِغْلَاقِهِ وَنَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْمُتَوَلِّي يَكُونُ إلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ دُونَ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ لَوْ وُجِدَ فِي مَسْجِدِهِمْ قَتِيلٌ كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْبِنَاءُ وَالْحَفْرُ فَإِنَّ أَهْلَ الْمَسْجِدِ هُمْ الْمُخْتَصُّونَ بِذَلِكَ وَإِذَا فَعَلَهُ غَيْرُهُمْ وَكَانَ فِيهِ إصْلَاحٌ لِلْمَسْجِدِ كَانَ مُبَاحًا لَهُمْ وَلَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الصَّلَاةُ فِيهِ سَوَاءً ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ يَخْتَصُّ أَهْلُهُ بِالتَّدْبِيرِ فِيهِ كَالْكَعْبَةِ فَالنَّاسُ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الطَّوَافُ سَوَاءٌ وَقَدْ اخْتَصَّ بَنُو شَيْبَةَ بِالتَّدْبِيرِ فِيهَا حَتَّى إنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا أَخَذَ الْمِفْتَاحَ مِنْهُمْ يَوْمَ الْفَتْحِ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ يَأْمُرُهُ بِالرَّدِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا}.
وَإِذَا قَعَدَ الرَّجُلُ فِي مَسْجِدٍ لِحَدِيثٍ أَوْ نَامَ فِيهِ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ أَوْ مَرَّ فِيهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَ كَمَا يَضْمَنُ فِي الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُصَلِّيًا فِي هَذِهِ الْبُقْعَةِ لَمْ يَضْمَنْ مَا يَعْطَبُ بِهِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ جَالِسًا فِيهِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ بِمَنْزِلَةِ الْجَالِسِ فِي مِلْكِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ قُرْبَةٌ كَالصَّلَاةِ وَالْمُعْتَكِفُ يَتَحَدَّثُ وَيَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْجُلُوسُ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْمُنْتَظِرُ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ مَا دَامَ يَنْتَظِرُهَا» وَنَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَكَذَلِكَ الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ لِتَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَتَعَلُّمِهِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُبَاحًا مُطْلَقًا وَالْمُبَاحُ الْمُطْلَقُ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْحُرِّ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: الْمَسْجِدُ مُعَدٌّ لِلصَّلَاةِ وَالْقُعُودُ وَالنَّوْمُ فِيهِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالطَّرِيقِ فَإِنَّهُ مُعَدٌّ لِلْمَشْيِ فِيهِ فَالْجُلُوسُ أَوْ النَّوْمُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ يَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ إذَا احْتَاجَ مَنْ يُصَلِّي فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إلَى إزْعَاجِهِ لِيُصَلِّيَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ شَرْعًا وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْمُصَلِّي أَنْ يُزْعِجَ الْمُصَلِّيَ عَنْ مَكَانِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مُعَدٌّ لِلصَّلَاةِ فِيهِ فَشَغْلُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ هَذَا أَقْوَى مِنْ الرَّمْيِ إلَى الْكَافِرِ أَوْ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ أَوْ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا أَصَابَ مُسْلِمًا كَانَ ضَامِنًا لَهُ.
وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا مَشَى فِي الْمَسْجِدِ فَأَوْطَأَ إنْسَانًا أَوْ نَامَ فِيهِ فَانْقَلَبَ عَلَى إنْسَانٍ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ لِإِتْلَافِهِ وَبِمِثْلِ هَذَا السَّبَبِ يَضْمَنُ فِي مِلْكِهِ فَفِي الْمَسْجِدِ أَوْلَى.
وَإِذَا احْتَفَرَ الرَّجُلُ فِي سُوقِ الْعَامَّةِ بِئْرًا أَوْ بَنَى فِيهَا دُكَّانًا بِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا عَطِبَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا السَّبَبِ فَأُلْحِقَ بِالطَّرِيقِ الْعَامَّةُ وَمَا يَكُونُ حَقًّا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَالتَّدْبِيرُ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ فَإِذَا أَحْدَثَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ كَانَ مُتَعَدِّيًا وَإِذَا فَعَلَهُ بِأَمْرِ السُّلْطَانَ لَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فِي هَذَا التَّسَبُّبِ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَتَلَهُ بِمِلْكِهِ.
وَإِذَا أَوْقَفَ دَابَّةً فِي السُّوقِ فَمَا أَصَابَتْ دَابَّتُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ وَلِأَنَّهُ مُتَعَدِّيًا بِإِيقَافِهَا فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَارَّةِ وَالْمُرُورِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَإِنْ كَانَ مَوْقِفًا تَقِفُ فِيهِ الدَّوَابُّ لِلْبَيْعِ وَقَدْ أَذِنَ لَهُ السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ فَأَوْقَفَ فِيهِ الدَّابَّةَ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا فِيمَا أَصَابَتْ الدَّابَّةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ السُّلْطَانُ أَذِنَ فِيهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِأَنَّ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ يَصِيرُ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مُعَدًّا لِإِيقَافِ الدَّوَابِّ فِيهِ فَيَكُونُ إيقَافُهَا فِيهِ بِمَنْزِلَةِ إيقَافِهَا فِي مِلْكِهِ فَأَمَّا بِدُونِ إذْنِ السُّلْطَانِ فَهُوَ مَمَرٌّ وَلَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِإِيقَافِ الدَّابَّةِ فَإِذَا أَوْقَفَ فِيهِ دَابَّتَهُ أَوْ أَرْسَلَهَا فِيهِ كَانَ ضَامِنًا لِمَا تَلِفَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ أَوْقَفَهَا وَلَا أَرْسَلَهَا فِيهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا دَابَّةٌ مُنْفَلِتَةٌ فَجُرْحُهَا هَدَرٌ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ مَعَ أَنَّهُ يُنْكِرُ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فِي الْمَوْضِعِ الْمُعَدِّ لِإِيقَافِ الدَّوَابِّ إذَا سَارَ عَلَى دَابَّتِهِ فِيهِ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا لِلنَّفْحَةِ بِالرِّجْلِ وَالذَّنَبِ لِأَنَّ هَذَا جُزْءٌ مِنْ الطَّرِيقِ كَسَائِرِ أَجْزَاءِ الطَّرِيقِ فَالسَّيْرُ فِيهِ يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فِيمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ دُونَ مَا لَا يُمْكِنُ فَإِذَا أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ أَرْسَلَهَا فَهُوَ يُنْكِرُ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي ذَلِكَ فَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.باب جناية العبد:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ): وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً خَطَأً فَمَوْلَاهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَهُ بِهَا وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِالْأَرْشِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ جِنَايَتُهُ تَكُونُ دَيْنًا فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى دَيْنَهُ وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: يُخَيَّرُ الْمَوْلَى فِي خَطَأِ عَبْدِهِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَمَذْهَبُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَإِنَّهُمَا قَالَا: عَبِيدُ النَّاسِ أَمْوَالُهُمْ وَجِنَايَتُهُمْ فِي قِيَمِهِمْ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالْقِيمَةِ الثَّمَنَ، وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ هَذَا فِعْلٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ فَإِذَا تَحَقَّقَ مِنْ الْعَبْدِ كَانَ الضَّمَانُ الْوَاجِبُ بِهِ دَيْنًا فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِهْلَاكِ الْأَمْوَالِ وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا عَاقِلَةَ لَهُ وَضَمَانُ الْجِنَايَةِ فِي حَقِّ مَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الْمَالِ فَيَكُونُ وَاجِبًا فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَيَكُونُ شَاغَلَا لِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ فَيُبَاعُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى دَيْنَهُ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْجِنَايَةِ عَلَى النُّفُوسِ نَفْسُ الْجَانِي إذَا أَمْكَنَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ الْمُسْتَحَقُّ نَفْسُ الْجَانِي قِصَاصًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا فَكَذَلِكَ فِي الْخَطَأِ إلَّا أَنَّ اسْتِحْقَاقَ النَّفْسِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا بِطَرِيقِ الْإِتْلَافِ عُقُوبَةً وَالْآخَرُ بِطَرِيقِ التَّمَلُّكِ عَلَى وَجْهِ الْجُبْرَانِ وَالْحُرُّ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَسْتَحِقَّ فِيهِ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ لَا بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ وَالْعَبْدُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَسْتَحِقَّ نَفْسَهُ بِالطَّرِيقَيْنِ جَمِيعًا فَيَكُونُ الْعَبْدُ مُسَاوِيًا لِلْحُرِّ فِي حَالَةِ الْعَمْدِ وَيَكُونُ مُفَارِقًا لَهُ فِي حَالَةِ الْخَطَأِ لِأَنَّ عُذْرَ الْخَطَأِ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ نَفْسِهِ تَمْلِيكًا وَالسَّبَبُ يُوجِبُ الْحُكْمَ فِي مَحَلِّهِ وَفِي حَقِّ الْحُرِّ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ وَفِي حَقِّ الْعَبْدِ السَّبَبُ صَادَفَ مَحَلَّهُ فَيَكُونُ مُقَيَّدًا حُكْمُهُ وَهُوَ أَنَّ نَفْسَهُ صَارَتْ مُسْتَحِقَّةً لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَمْلِيكًا لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الصِّيَانَةِ عَنْ الْهَدَرِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ فَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ لَا مَقْصُودَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ يَحْصُلُ بِهِ وَبَدَلُ الْمُتْلَفِ يَصِلُ إلَيْهِ بِكَمَالِهِ بِخِلَافِ إتْلَافِ الْمَالِ فَالْمُسْتَحَقُّ بِهِ بَدَلُ الْمُتْلَفِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُتْلِفِ وَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ بَدَلَ الْمُتْلَفِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُتْلِفِ وَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ نَفْسَ الْمُتْلَفِ بِحَالٍ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي أَنَّ مُوجِبَ جِنَايَةِ الْخَطَأِ يَتَبَاعَدُ عَنْ الْجَانِي لِكَوْنِهِ مَعْذُورًا فِي ذَلِكَ وَيَكُونُ الْخَطَأُ مَوْضُوعًا شَرْعًا وَيَتَعَلَّقُ بِأَقْرَبِ النَّاسِ لِإِظْهَارِ صِيَانَةِ الْمَحَلِّ الْمُحْتَرَمِ وَالتَّخْفِيفِ عَلَى الْمُخْطِئِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي حَقِّ الْحُرِّ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِهَذَا الْمَعْنَى فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ إلَّا أَنَّ عَاقِلَةَ الْعَبْدِ مَوْلَاهُ لِأَنَّ الْحُرَّ مُسْتَنْصِرٌ بِعَاقِلَتِهِ وَمُزَادٌ قُوَّةً وَجُرْأَةً بِهِمْ كَمَا أَنَّ الْمَمْلُوكَ يَسْتَنْصِرُ بِمَوْلَاهُ فَيَجِبُ ضَمَانُ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَوْلَى إلَّا أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا لَحِقَنِي هَذَا الْبَلَاءُ بِسَبَبِ مِلْكِي فِيهِ فَلِي أَنْ أَتَخَلَّصَ عَنْهُ بِنَقْلِ مِلْكِي فِيهِ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَأَدْفَعُهُ بِالْجِنَايَةِ فَإِذَا دَفَعَهُ صَارَ كَأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ هُوَ الْمَالِكُ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ آخَرُ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ وَإِذَا لَمْ يَدْفَعْهُ كَانَ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمُتْلِفِ وَلَا يُخَاطَبُ غَيْرُهُ كَمَا فِي حَقِّ الْحُرِّ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: لَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ حَتَّى يَظْهَرَ حَالُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا لِجِنَايَةِ الْعَبْدِ بِجِنَايَةِ الْحُرِّ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا يَتَأَتَّى فِي جِنَايَةِ الْحُرِّ لِأَنَّ مُوجِبَهَا يَخْتَلِفُ بِالسِّرَايَةِ وَعَدَمِ السِّرَايَةِ فَلَا يَصِيرُ ذَلِكَ مَعْلُومًا قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَالْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ غَيْرُ مُمْكِنٍ ثُمَّ الْوَاجِبُ هَاهُنَا الدَّفْعُ أَوْ الْفِدَاءُ وَالْمَوْلَى يُخَيَّرُ فِي ذَلِكَ وَاخْتِلَافُهُ بِالْبُرْءِ وَالسِّرَايَةِ وَالْخَطَأِ وَالْعَمْدِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ مَا لَمْ يَبْلُغْ النَّفْسَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَيَكُونُ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ الْمَالُ بِكُلِّ حَالٍ فَلِهَذَا كَانَ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِيهِ سَوَاءً فَإِذَا بَلَغَ النَّفْسَ وَهُوَ عَمْدٌ فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَوُجُوبُ الْقِصَاصِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ نَفْسٌ مُخَاطَبَةٌ وَالْمَمْلُوكُ فِي ذَلِكَ كَالْحُرِّ وَالْمُسْتَحَقُّ بِالْقِصَاصِ دَمُهُ وَالْمَمْلُوكُ فِي حُكْمِ الدَّمِ مُبْقَى عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَلِهَذَا اسْتَحَقَّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ الْقِصَاصَ إذَا تَقَرَّرَ سَبَبُهُ كَمَا يَسْتَحِقُّ غَيْرُهُ وَالصَّغِيرُ مِنْ الْجِرَاحَاتِ فِي ذَلِكَ وَالْكَبِيرُ سَوَاءٌ عَلَى الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى بِمَنْزِلَةِ الْمَوْجُودِ مِنْ الْحُرِّ فَكَمَا أَنَّ هُنَاكَ لَا يَتْلَفُ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ فَكَذَلِكَ بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ.
.
وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ شَيْئًا مِنْ جِنَايَةِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْجِنَايَةِ نَفْسُهُ وَنَفْسُهُ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِلْعَاقِلَةِ وَالْمَوْلَى وَلِأَنَّ الْمَوْلَى فِي كَوْنِهِ مُخَاطَبًا بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ الْعَاقِلَةِ وَلَا يَتَحَمَّلُ غَيْرُ الْعَاقِلَةِ عَوَاقِلَهُمْ فَكَذَلِكَ لَا يَتَحَمَّلُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ عَاقِلَةُ مَوْلَاهُ بَلْ سَبَبُ وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى مِلْكُهُ رَقَبَتَهُ وَكَسْبَهُ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِذَلِكَ دُونَ عَوَاقِلِهِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَوْلَى مُوجِبُ جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ بَلْ الْمُكَاتَبُ أَحَقُّ بِمَكَاسِبِهِ فَيَكُونُ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ دُونَ مَوْلَاهُ وَالْمُسْتَسْعَى فِي بَعْضِ قِيمَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَالْمُكَاتَبِ.
فَأَمَّا جِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ فَتَكُونُ دَيْنًا فِي عُنُقِهِ تُقْضَى مِنْ كَسْبِهِ أَوْ يُبَاعُ فِيهَا وَكَذَلِكَ لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً مُكْرَهَةً فَذَلِكَ دَيْنٌ فِي عُنُقِهِ يُبَاعُ فِيهِ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ مِمَّا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ سَوَاءٌ كَانَ فِي حُكْمِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُلْتَزِمُ بِذَلِكَ حُرًّا كَانَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ دُونَ عَوَاقِلِهِ بِأَنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ أَوْ مُسْتَكْرَهَةً وَسَقَطَ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ يَكُونُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَالدَّيْنُ عَلَيْهِ يَكُونُ شَاغِلًا لِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى الْمَمَالِيكِ خَطَأً فِيهَا دُون النَّفْسِ وَإِنْ كَانَ الْجَانِي حُرًّا لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ بِحَالٍ لِأَنَّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ الْمُتْلَفُ جُزْءٌ مِنْ الْجِسْمِ وَالْجِسْمُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَهْرِ وَالِاسْتِيلَاءِ فَيَصِيرُ مَمْلُوكًا مَآلًا فَيَكُونُ إتْلَافُهُ فِي حُكْمِ إتْلَافِ الْمَالِ فَيَجِبُ فِيهِ الضَّمَانُ عَلَى الْمُتْلِفِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَيَكُونُ ذَلِكَ حَالًا فِي مَالِهِ وَلَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ بِمَنْزِلَةِ إتْلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ.
فَإِذَا بَلَغَ النَّفْسَ عَقَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ وَقَدْ اعْتَبَرَهُ فِي حُكْمِ الْقِصَاصِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ نَفْسَ الْعَبْدِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَاسْتَدَلَّ فِيهِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا» وَالْمُرَادُ أَنَّ نَفْسَ الْعَبْدِ لَا تَعْقِلُهَا الْعَاقِلَةُ وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ يَحِلُّ لِلتَّمَلُّكِ بِالْعَقْدِ فَمَا يَجِبُ مِنْ الضَّمَانِ بِإِتْلَافِهِ يَكُونُ عَلَى الْمُتْلِفِ فِي مَالِهِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ الْقِيمَةُ الْوَاجِبَةُ بِإِتْلَافِ نَفْسِ الْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ الدِّيَةِ الْوَاجِبَةِ بِإِتْلَافِ نَفْسِ الْحُرِّ وَذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلًا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَهَذَا مِثْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَهْرِ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا الْمُلَّك بَلْ الْعَبْدُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ عَمْدًا كَمَا يَتَعَلَّقُ بِقَتْلِ الْحُرِّ وَكَذَلِكَ الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِصَاصِ وَلَا كَفَّارَةً فِي ضَمَانِ الْأَمْوَالِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَالَ وَاجِبٌ هَاهُنَا بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَكُونُ مَثَلًا لِمَا لَيْسَ بِمَالِ وَمَا لَا يَكُونُ مَمْلُوكًا مِنْ الْآدَمِيِّ لَا يَكُونُ مَالًا وَإِنَّمَا وُجُوبُ الْمَالِ بِقَوْلِهِ {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ} إلَّا أَنَّ هَذِهِ الدِّيَةَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ الْقِيمَةُ وَفِي حَقِّ الْحُرِّ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ كَمَا بَيَّنَهُ الشَّرْعُ وَالدِّيَةُ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي حَالَةِ الْخَطَأِ وَبِهَذَا الْمَعْنَى خَالَفَ النَّفْسَ مَا دُونَ النَّفْسِ لِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ لَا مَدْخَلَ فِيهِ لِلْكَفَّارَةِ وَالْقِصَاصِ وَتَأْوِيلُ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِ الْعَبْدِ وَبِهِ نَقُولُ ثُمَّ الْوَاجِبُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ الْمَمْلُوكِ قِيمَتُهُ قُلْت قِيمَتُهُ أَوْ كَثُرَتْ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تُزَادُ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ وَلَا تَنْقُصُ عَنْ عَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةِ دَرَاهِمَ إذَا كَانَ الْعَبْدُ كَبِيرَ الْقِيمَةِ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ أَمَةً فَإِنَّهَا لَا تُزَادُ قِيمَتُهَا عَلَى خَمْسَةِ آلَافٍ وَيَنْقُصُ مِنْ ذَلِكَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَأَمَّا فِي قَطْعِ طَرَفِ الْعَبْدِ فَيَجِبُ نِصْفُ قِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ إلَّا رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجِبُ فِي قَطْعِ يَدِ الْعَبْدِ خَمْسَةُ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْوَكَالَةِ وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا فِي قَتْلِ الْعَبْدِ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلِأَنَّ الْمُتْلَفَ مَاتَ فَيَجِبُ ضَمَانُ قِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَهَذَا لِأَنَّ ضَمَانَ الْمَالِ يَجِبُ بِطَرِيقِ الْجُبْرَانِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْجُبْرَانُ بِمَا يَكُونُ مِثْلًا لَهُ فِي صِفَةِ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا يَضْمَنُ الْمَمْلُوكُ عِنْدَ الْغَصْبِ بِقِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَتْلِ وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنَّهُ مَالٌ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ لِلْمَوْلَى وَمِلْكُهُ فِي عَبْدِهِ مِلْكُ مَالٍ وَالضَّمَانُ الْوَاجِبُ لَهُ يَكُونُ ضَمَانَ الْمَالِ إذَا أَمْكَنَ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي حَالَةِ الْعَمْدِ لِأَنَّ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ يَقُولُ الْقِصَاصُ يَكُونُ بَدَلًا عَنْ الْمَالِيَّةِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْمَالِيَّةَ تَرْقُبُ بِهَذَا الْمَحَلِّ فَتَصِيرُ مَضْمُونَةً بِالنُّقْصَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَالُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ مَضْمُونًا بِالْقِصَاصِ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ يَكُونُ مَضْمُونًا بِاعْتِبَارِ حُرْمَةِ الْمَحَلِّ بِمَا لَا يَضْمَنُ بِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ وَهَذَا لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْعَمْدَ وَالتَّكَافُؤَ وَذَلِكَ تُمْكِنُ مُرَاعَاتُهُ فِي هَذَا الْمَالِ دُونَ سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَكَانَ هَذَا الْمَالُ مَضْمُونًا بِالْقِصَاصِ دُونَ سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فِي الْأَسْوَاقِ لِيُوجِبَ بِهِ حِينَ يَنْفُذُ السُّوقُ وَهَذَا يَخْتَصُّ بِضَمَانِ الْأَمْوَالِ فَأَمَّا فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ فَإِنَّمَا تَجِبُ الْإِبِلُ وَلَا مَدْخَلَ لِلْإِبِلِ هَاهُنَا.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بِاخْتِلَافِ أَوْصَافِ الْمُتْلَفِ فِي الْجِنْسِ وَالْجَمَالِ وَالْمَالِيَّةِ تَخْتَلِفُ هَذِهِ الْأَوْصَافُ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ عَنْ الدِّيَةِ نُقْصَانًا غَيْرَ مُعْتَبَرٍ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ ضَمَانُ مَالٍ أَوْ يَكُونُ الْمُتْلَفُ عَبْدًا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا لَوْ كَانَ قَلِيلَ الْقِيمَةِ وَهَذَا لِأَنَّ فِي الْعَبْدِ مَعْنَيَيْنِ: مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ بَدَلًا عَنْ الْمَالِيَّةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى تَرْجِيحِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ صَيْرُورَتُهُ مَحِلًّا قَابِلًا لِلتَّصَرُّفَاتِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَخُرُوجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْوِلَايَاتِ الَّتِي اخْتَصَّتْ بِهَا النُّفُوسُ الْمُحْتَرَمَةُ عَلَى أَنَّا نَعْتَبِرُ كِلَا الْوَصْفَيْنِ فَنَقُولُ: مَتَى كَانَ الْوَاجِبُ بِإِتْلَافِهِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَهُوَ الْقِصَاصُ يَتَرَجَّحُ مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَالِيَّةِ وَكَثْرَةِ الْمَالِيَّةِ وَهَذَا لِأَنَّ ضَمَانَ الْمَالِ بِالْمَالِ أَصْلٌ وَضَمَانٌ مَا لَيْسَ بِمَالٍ يَكُون عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَمَهْمَا أَمْكَنَ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى مُوَافَقَةِ الْقِيَاسِ فَلَا مَعْنَى لِلْمَصِيرِ إلَى إيجَابِهِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا قُبِضَ فَالْبَيْعُ يَبْقَى بِبَقَاءِ الْقِيمَةِ وَإِنَّمَا يَبْقَى الْبَيْعُ إذَا فَاتَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَأَخْلَفَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الضَّمَانُ بَدَلَ الْمَالِيَّةِ لَمَا بَقِيَ الْعَقْدُ بِاعْتِبَارِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَتَنَاوَلُ الْمَالِيَّةَ.
وَالرَّاهِنُ إذَا قَتَلَ الْمَرْهُونَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَلَا حَقَّ لِلْمُرْتَهِنِ إلَّا فِي الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ بِحَالٍ لِأَنَّ الْقِصَاصَ بَدَلٌ عَنْ النَّفْسِيَّةِ فَلَوْ كَانَتْ الْقِيمَةُ كَذَلِكَ لَمَا وَجَبَ عَلَى الرَّاهِنِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الِاعْتِبَارِ فَنَقُولُ: إذَا كَانَ الْعَبْدُ كَبِيرَ الْقِيمَةِ يَجِبُ مِقْدَارُ الدِّيَةِ لِاعْتِبَارِ مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ الْقِيمَةِ لِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَتَلَ حُرًّا وَمَزَّقَ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مِقْدَارَ الدِّيَةِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ الْقِيمَةِ يَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي لِهَذَا الْمَعْنَى وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تَبْلُغُ قِيمَةُ الْعَبْدِ دِيَةَ الْحُرِّ وَيَنْقُصُ مِنْهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَهَذَا كَالْمَرْوِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ بِالْقِيَاسِ وَإِنَّمَا طَرِيقُ مَعْرِفَتِهَا التَّوْقِيفُ وَالسَّمَاعُ مِنْ صَاحِبِ الْوَحْيِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا ضَمَانٌ وَجَبَ بِقَتْلِ الْآدَمِيّ فَلَا يُزَادُ عَلَى الدِّيَاتِ كَمَا لَوْ وَجَبَ بِقَتْلِ الْحُرِّ وَهَذَا لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبَدَلِ تَكُونُ بِزِيَادَةِ الْفَضِيلَةِ وَمَا مِنْ فَضْلٍ فِي الْعَبِيدِ إلَّا وَيُوجَدُ ذَلِكَ فِي الْأَحْرَارِ وَزِيَادَةً ثُمَّ الْحُرُّ مَعَ أَنَّهُ مَجْمَعُ الْقِصَاصِ لَا يُزَادُ بَدَلُهُ عَلَى أَعْلَى الدِّيَاتِ فَالْعَبْدُ أَوْلَى وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ بِالْقَتْلِ هَاهُنَا لِأَنَّ الْقَتْلَ سَبَبٌ تُضْمَنُ بِهِ النَّفْسُ بِالدِّيَةِ وَهُوَ حُكْمٌ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ} وَنَفْسُ الْعَبْدِ فِي هَذَا دَاخِلَةٌ كَنَفْسِ الْحُرِّ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهَا تُضْمَنُ بِالْكَفَّارَةِ كَنَفْسِ الْحُرِّ فَكَذَلِكَ بِالدِّيَةِ وَالدِّيَةُ بِمُقَابَلَةِ النَّفْسِ مُقَدَّرَةٌ بِالنَّصِّ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا بِالرَّأْيِ فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهَا بِالرَّأْيِ فَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ هَاهُنَا بِاعْتِبَارِ النَّفْسِيَّةِ وَأَنَّ الْوَاجِبَ الدِّيَةُ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَجْعَلْهُ وَاجِبًا بِاعْتِبَارِ النَّفْسِيَّةِ كُنَّا قَدْ أَسْقَطْنَا بِالرَّأْيِ مَا هُوَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ ضَمَانَ النَّفْسِ بِالدِّيَةِ لِإِظْهَارِ حُرْمَةِ الْمَحَلِّ وَصِيَانَتِهِ عَنْ الْإِهْدَارِ وَنَفْسُ الْعَبْدِ مُحْتَرَمَةٌ كَنَفْسِ الْحُرِّ فَلَا يَجُوزُ إهْدَارُهَا مَا أَمْكَنَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ صِفَةَ الْمَالِيَّةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ تَبَعٌ لِلنَّفْسِيَّةِ لِأَنَّ قِوَامَ الْمَالِيَّةِ بِبَقَاءِ النَّفْسِيَّةِ وَهَذَا هُوَ عَلَامَةُ التَّبَعِ مَعَ الْمَتْبُوعِ.
وَلَا يَجُوزُ إهْدَارُ الْأَصْلِ بِحَالٍ لِمُرَاعَاةِ التَّبَعِ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْأَصْلِ اعْتِبَارَ التَّبَعِ وَلَيْسَ فِي اعْتِبَارِ التَّبَعِ اعْتِبَارَ الْأَصْلِ وَإِذَا جَعَلْنَا الضَّمَانَ وَاجِبًا بِاعْتِبَارِ النَّفْسِيَّةِ كُنَّا اعْتَبَرْنَا مَا هُوَ الْأَصْلُ وَبِاعْتِبَارِهِ يَحْصُلُ اعْتِبَارُ التَّبَعِ فَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِيَّةِ وَيُهْدَرُ مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْبَابِ أَنْ تَثْبُتَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ النَّفْسِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ وَلَكِنْ مَعَ الْمُسَاوَاةِ تَتَرَجَّحُ النَّفْسِيَّةُ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ وَهُوَ الْقَتْلُ لِأَنَّ الْقَتْلَ سَبَبٌ لَا يُقْصَدُ بِهِ الْأَمْوَالُ عَادَةً وَإِنَّمَا يَقْصِدُ بِهِ النُّفُوسَ لِمَعْنَى التَّشَفِّي وَالِانْتِقَامِ فَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَإِنَّمَا تَقْصِدُ بِالْغَصْبِ فَلَا جَرَمَ ضَمَانُ الْغَصْبِ يَكُونُ ضَمَانَ مَالٍ يَجِبُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْأَحْرَارِ وَضَمَانُ الْقَتْلِ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ النَّفْسِيَّةِ سَوَاءٌ بِقَتْلِ الْحُرِّ أَوْ وَجَبَ بِقَتْلِ الْعَبْدِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى بِقَتْلِ عَبْدِهِ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ فَإِنَّ مَا يَجِبُ بِمُقَابِلَةِ نَفْسِ الْعَبْدِ يَكُونُ لِمَوْلَاهُ عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ وَالْخِلَافَةُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ لَا تَنْعَدِمُ حُكْمًا بِالْقَتْلِ فَلَوْ وَجَبَ وَجَبَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا فَضْلُ الْقِصَاصِ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ ثُمَّ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى إذَا قَتَلَ عَبْدَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ فَكَذَلِكَ الْمَالُ.
وَمَنْ يَقُولُ: الْقِصَاصُ وَاجِبٌ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ فَهُوَ لَغْوٌ مِنْ الْكَلَامِ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يُضْمَنُ بِالْقِصَاصِ بِحَالٍ فَكَيْفَ يُضْمَنُ بِالْقِصَاصِ وَالْمَقْصُودُ بِالْمَالِ التَّمَوُّلُ وَالِادِّخَارُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ وَلَيْسَ فِي الْقِصَاصِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا يَتَبَيَّنُ تَرْجِيحُ مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ عَلَى مَعْنَى الْمَالِيَّةِ لِأَنَّ الْمُتْلَفَ فِي حَالِ الْخَطَأِ مَا هُوَ الْمُتْلَفُ فِي حَالَةِ الْعَمْدِ فَإِذَا جَعَلَ الْمَضْمُونَ مِنْهُ فِي حَالَةِ الْعَمْد مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ فَكَذَلِكَ فِي حَالَةِ الْخَطَأِ وَمَنْ يَقُولُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَذَلِكَ فَضْلٌ مِنْ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هَاهُنَا طَرِيقٌ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الدِّيَةَ مَعَ كَمَالِ الْقِيمَةِ وَيُسْتَوْفَى فِي حَالَةِ الْعَمْدِ الْقِصَاصُ بِاعْتِبَارِ النَّفْسِيَّةِ وَالْقِيمَةُ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ وَأَحَدٌ لَا يَقُولُ ذَلِكَ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِمَا بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ مِنْ الْمُغَايَرَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّضَادِّ فَأَمَّا النُّقْصَانُ فَنَقُولُ: بَدَلُ النَّفْسِ قَدْ يَنْقُصُ عَنْ أَعْلَى الدِّيَاتِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى مُوجِبٍ لِلنُّقْصَانِ فِي الْمَحَلِّ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَنْقُصُ بِالْأُبُوَّةِ وَبِالْكُفْرِ عَنْ أَصْلِ الْخَصْمِ وَبِالِاجْتِنَانِ فِي الْبَطْنِ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّ بَدَلَ الْجَنِينِ دُونَ بَدَلِ الْمُنْفَصِلِ وَإِنْ كَانَ الْوُجُوبُ بِاعْتِبَارِ النَّفْسِيَّةِ هُنَاكَ إذْ لَا مَالِيَّةَ فِي الْجَنِينِ حُرًّا كَانَ أَوْ مَمْلُوكًا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ عَنْ أَعْلَى الدِّيَاتِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَهَذَا لِأَنَّ تَكْمِيلَ الدِّيَةِ بِاعْتِبَارِ كَمَالِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ بَدَلَ الْأُنْثَى عَلَى النِّصْفِ مِنْ بَدَلِ الذَّكَرِ لِأَنَّ الذَّكَرَ أَهْلٌ لِمَالِكِيَّةِ الْمَالِ وَالنِّكَاحِ وَالْأُنْثَى أَهْلٌ لِمَالِكِيَّةِ الْمَالِ دُونَ مَالِكِيَّةِ النِّكَاحِ فَإِنَّهَا مَمْلُوكَةٌ نِكَاحًا فَيَتَنَصَّفُ بَدَلُهَا بِذَلِكَ وَالْجَنِينُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ فِي الْحَالِ وَلَكِنَّ فِيهِ عُرْضَةَ الْأَهْلِيَّةِ لِذَلِكَ إذَا انْفَصَلَ حَيًّا فَبِاعْتِبَارِهِ يَنْقُصُ بَدَلُهُ غَايَةَ النُّقْصَانِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ بِسَبَبِ الرِّقِّ تَنْتَقِصُ صِفَةُ الْمَالِكِيَّةِ لِأَنَّهُ صَارَ مَمْلُوكًا مَآلًا وَلَمْ يَبْقَ مَالِكًا لِلنِّكَاحِ بِنَفْسِهِ إلَّا أَنَّ هَذَا النُّقْصَانَ عَارِضٌ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِأَنْ يُعْتَقَ فَيَجُوزُ أَنْ يُزَادَ بَدَلُ الرَّقِيقِ عَلَى بَدَلِ الْأُنْثَى لِهَذَا وَيَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ وَهُوَ أَنَّهُ دُونَ الْأُنْثَى فِي صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ ثُمَّ صِفَةِ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَخْتَلِفُ فِي الرَّقِيقِ وَلَكِنْ يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْوَصْفِ مَا يَخْتَلِفُ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ فَإِنْ أَمْكَنَ إظْهَارُ النُّقْصَانِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنْ كَانَ قَلِيلَ الْقِيمَةِ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ لِإِظْهَارِ النُّقْصَانِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ كَانَ كَثِيرَ الْقِيمَةِ فَحِينَئِذٍ يُصَارُ فِي النُّقْصَانِ إلَى مَعْنَى شَرْعِيٍّ.
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ النُّقْصَانَ إذَا كَانَ فَبِاعْتِبَارِ الْمَالِكِيَّةِ وَإِنَّمَا النُّقْصَانُ بِاعْتِبَارِ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَذَلِكَ لَا يُزَادُ بِزِيَادَةِ الْمَالِيَّةِ وَإِنَّمَا اعْتِبَارُ الْمَالِيَّةِ لِإِظْهَارِ مِقْدَارِ النُّقْصَانِ إذَا أَمْكَنَ لَا لِثُبُوتِ أَصْلِ النُّقْصَانِ عَلَى أَنَّ بِزِيَادَةِ الْمَالِيَّةِ يَزْدَادُ النُّقْصَانُ وَعِنْدَ قِلَّةِ الْمَالِيَّةِ يَنْتَقِصُ الْوَاجِبُ عَنْ الدِّيَةِ لَا عَنْ الْقِيمَةِ وَعِنْدَ كَثْرَةِ الْمَالِيَّةِ يُنْتَقَصُ الْوَاجِبُ عَنْ الْقِيمَةِ وَعَنْ الدِّيَةِ جَمِيعًا وَإِنَّمَا قَرَّرْنَا النُّقْصَانَ بِعَشَرَةٍ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِأَنَّ صِفَةَ الْمَمْلُوكِيَّةِ تُظْهِرُ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا فِيمَا يَتَقَدَّرُ بِالْعَشَرَةِ وَهُوَ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ اسْتِيفَاءُ ذَلِكَ مِنْ الْحُرِّ إلَّا بِعَقْدٍ يَتَقَدَّرُ الْبَدَلُ فِيهِ بِعَشَرَةٍ وَيَجُوزُ اسْتِيفَاءُ ذَلِكَ مِنْ الْأَمَةِ بِعَقْدٍ مُتَعَدٍّ عَنْ الْبَدَلِ وَهُوَ الْهِبَةُ فَإِنَّ الْجَارِيَةَ الْمَوْهُوبَةَ يُبَاحُ وَطْؤُهَا فَإِذَا ظَهَرَ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَمْلُوكِيَّةِ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِيمَا هُوَ مُقَدَّرٌ بِالْعَشَرَةِ نَصًّا قَدَّرْنَا النُّقْصَانَ بِالْعَشَرَةِ لِهَذَا وَلِهَذَا قُلْنَا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً فَالنُّقْصَانُ عَنْ الدِّيَةِ يَتَقَدَّرُ بِعَشَرَةٍ وَالرُّجُوعُ إلَى تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ قَدْ يَكُونُ فِيمَا يَجِبُ بِمُقَابَلَةِ النَّفْسِيَّةِ كَحُكُومَةِ الْعَدْلِ وَالْوُجُوبُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ يَخْلُفُهُ خِلَافُ الْوَارِثِ الْمُوَرِّثِ وَلِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَالِكِيَّةِ قِوَامِهَا بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَحَلِّ فَمَا يَجِبُ بِمُقَابَلَةِ الْمَحَلِّ فِي حَقِّهِ يُجْعَلُ كَالْوَاجِبِ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا قُلْنَا: الْبَيْعُ يَبْقَى إذَا قُتِلَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ صِحَّةَ الْبَيْعِ بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ الَّتِي تُمْلَكُ بِالْبَيْعِ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَحَلِّ فَيُجْعَلُ بَدَلُ الْمَحَلِّ بِمَنْزِلَةِ بَدَلِ الْمَالِيَّةِ فِي بَقَاءِ الْبَيْعِ بِاعْتِبَارِهِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا حَتَّى وَجَبَ الْقِصَاصُ بَقِيَ الْبَيْعُ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إذَا قَتَلَهُ الرَّاهِنُ فَإِنَّ إيجَابَ الضَّمَانِ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى النَّفْسِيَّةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِمَا قَرَّرْنَا فِي الْمَوْلَى إذَا قَتَلَ عَبْدَهُ فَجَعَلْنَا الْوَاجِبَ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ بِحَالٍ فَتَجِبُ فِيهِ الْمَالِيَّةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَأَمَّا طَرَفُ الْمَمْلُوكِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْمَالِيَّةُ فَقَطْ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْقِصَاصِ وَلَا بِالْكَفَّارَةِ فَلِهَذَا قَالَ: كَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ الْقِيمَةَ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: الْقَوْلُ بِهَذَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَجِبَ بِقَطْعِ طَرَفِ الْعَبْدِ فَوْقَ مَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ بِأَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ بَلَغَتْ أَلْفًا فَيَجِبُ بِقَطْعِ طَرَفِهِ خَمْسَةَ عَشْرَ أَلْفًا أَوْ عَشَرَةُ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً وَهَذَا قَبِيحٌ جِدًّا فَلِهَذَا قَالَ: لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ بَدَلِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ خَمْسَةَ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً.
وَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ قَتِيلًا وَلَهُ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا دَفَعَ الْمَوْلَى إلَى الْبَاقِي نِصْفَهُ أَوْ فَدَاهُ بِنِصْفِ الدِّيَةِ لِأَنَّ النَّصِيبَ الَّذِي لَمْ يَعْفُ انْقَلَبَ مَالًا عِنْدَ عَفْوِ الشَّرِيكِ فَيَكُونُ هَذَا فِي نَصِيبِهِ كَالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْخَطَأُ وَلَوْ قَتَلَ قَتِيلًا خَطَأً وَفَقَأَ عَيْنَ آخَرَ دَفَعَهُ الْمَوْلَى إلَيْهِمَا أَوْ فَدَاهُ فَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَدَاهُ بِالْأَرْشِ وَذَلِكَ دِيَةُ النَّفْسِ عَشَرَةُ آلَافٍ وَأَرْشُ الْعَيْنِ خَمْسَةُ آلَافٍ.
وَإِذَا اخْتَارَ الدَّفْعَ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَصَرَّفَ فِيهِ بِجَمِيعِ حَقِّهِ وَحَقُّ وَلِيِّ الْقَتِيلِ عَشَرَةُ آلَافٍ وَحَقُّ الْمَفْقُودِ عَيْنُهُ خَمْسَةُ آلَافٍ فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَتَيْنِ فَهُوَ مُخْتَارٌ وَعَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشْرَ أَلْفًا فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَحَلَّ الدَّفْعِ بِالْإِعْتَاقِ وَبَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ كَانَ هُوَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فَتَفْوِيتُهُ مَحَلَّ الدَّفْعِ يَكُونُ اخْتِيَارَ الْفِدَاءِ دَلَالَةَ التَّصَرُّفِ فَهُوَ كَالتَّصْرِيحِ بِالِاخْتِيَارِ وَكَذَلِكَ لَوْ دَبَّرَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ كَاتَبَهُ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ دَفْعُهُ بِمَا أَنْشَأَ مِنْ التَّصَرُّفِ فَيَتَضَمَّنُ الَّذِي اخْتَارَ الْفِدَاءَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا فَإِنْ جَامَعَهَا وَلَمْ تَلِدْ فَلَيْسَ هَذَا بِاخْتِيَارٍ وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: الْوَطْءُ دَلِيلُ الِاخْتِيَارِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا كَانَ بِالْخِيَارِ فَوَطِئَ الْمَبِيعَةَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ اخْتِيَارًا لِلْفَسْخِ وَهَذَا لِأَنَّ الْوَطْءَ دَلِيلُ تَقْرِيرِ مِلْكِهِ فِيهَا وَلِأَنَّ الْوَطْءَ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ وَلَوْ جَنَى عَلَيْهَا كَانَ لِلْفِدَاءِ وَجْهٌ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْوَطْءَ لَا يُمْكِنُ نُقْصَانًا فِي عَيْنِهَا إذَا كَانَتْ ثَيِّبًا وَلَا يُعْجِزُهُ عَنْ دَفْعِهَا فَيَكُونُ إقْدَامُهُ عَلَيْهِ دَلِيلَ الِاخْتِيَارِ كَالِاسْتِخْدَامِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَنَّ هُنَاكَ لَوْ لَمْ يَجْعَلْهُ فَاسِخًا لِلْعَقْدِ بِالْوَطْءِ لَكَانَ إذَا أَجَازَ الْعَقْدَ مَلَكَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ زَوَائِدَهَا فَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ الْوَطْءَ حَصَلَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَلِلتَّحَرُّزِ عَنْ هَذَا جَعَلْنَاهُ فَاسِخًا وَهَا هُنَا إذَا دَفَعَهَا بِالْجِنَايَةِ مَلَكَهَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ مِنْ وَقْتِ الدَّفْعِ وَلِهَذَا لَا يُسَلَّمُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ زَوَائِدِهَا فَلَا يَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ الْوَطْءَ كَانَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَالْوَطْءُ وَإِنْ كَانَ كَالْجِنَايَةِ لَكِنَّ الْجِنَايَةَ لَا يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَكُونُ اخْتِيَارًا وَكَذَا الْوَطْءُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَهَا لِأَنَّ التَّزْوِيجَ كَالِاسْتِخْدَامِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُمْكِنُ نُقْصَانًا فِي عَيْنِهَا وَلَا يُعْجِزُهُ عَنْ دَفْعِهَا بِالْجِنَايَةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَجَّرَهَا أَوْ رَهَنَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الدِّيَاتِ يَقُولُ: الْإِجَارَةُ وَالرَّهْنُ يَكُونُ اخْتِيَارًا مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْبَدَلَ بِهَذَيْنِ الْعَقْدَيْنِ يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ دَفْعِهَا بِالْجِنَايَةِ فَيُجْعَلُ اخْتِيَارُ الْفِدَاءِ كَالْكِتَابَةِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِجَارَةَ تُنْقَضُ بِالْقَدْرِ فَيَكُونُ قِيَامُ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِيهَا عُذْرًا فِي نَقْضِ الْإِجَارَةِ وَالرَّاهِنُ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَاسْتِرْدَادِ الرَّهْنِ مَتَى شَاءَ وَلَمْ يَتَحَقَّقَ عَجْزُهُ عَنْ دَفْعِهَا بِهَذَيْنِ الْعَقْدَيْنِ فَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ اخْتِيَارًا بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ ثَبَتَ لَهُ اسْتِحْقَاقٌ لَا يَمْلِكُ الْوَلِيُّ إبْطَالَهُ وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ دَفْعِهَا وَإِنْ ضَرَبَ الْعَبْدَ ضَرْبًا لَزِمَهُ مِنْهُ عَيْبٌ فَاحِشٌ أَوْ جَرَحَهُ أَوْ قَتَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ فَمُخْتَارٌ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ يَثْبُتُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ وَقَدْ فُوِّتَ جُزْءٌ فَامْتَنَعَ الدَّفْعُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ وَهُوَ لَا يَتَحَمَّلُ التَّجَزُّؤَ فِي الدَّفْعِ بِالْجِنَايَةِ فَتَفْوِيتُ جُزْءٍ مِنْهُ كَتَفْوِيتِ كُلِّهِ.
وَلَوْ دَفَعَ الْعَبْدَ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا الْمَوْلَى فِي الطَّرِيقِ أَوْ أَصَابَهُ جُنَاحٌ أَشْرَعهُ الْمَوْلَى فَلَيْسَ هَذَا بِاخْتِيَارٍ لِأَنَّ الْمَوْلَى إنْ كَانَ فَعَلَ هَذَا قَبْلَ جِنَايَةِ الْعَبْدِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ بَعْدَ جِنَايَتِهِ إذْ لَا صُنْعَ لَهُ فِي وُقُوعِ الْعَبْدِ فِي الْبِئْرِ وَإِنْ كَانَ الْحَفْرُ مِنْهُ بَعْدَ جِنَايَتِهِ فَهُوَ عِنْدَ الْحَفْرِ مَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ عَبْدَهُ يَقَعُ بِهِ وَلَا قَصَدَ ذَلِكَ بِحَفْرِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حَافِرَ الْبِئْرِ يَصِيرُ قَاتِلًا وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَالِاخْتِيَارُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِمُبَاشَرَةِ فِعْلٍ مِنْ الْمَوْلَى يَكُونُ مُقَوِّيًا لَهُ مَحَلَّ الدَّفْعِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فِيهِ الْكَفَّارَةُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِاخْتِيَارٍ مِنْهُ وَلَكِنْ عَلَى الْمَوْلَى الْقِيمَةُ إنْ مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِأَنَّ الْمَوْلَى سَبَبٌ لِهَلَاكِهِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ التَّسَبُّبِ وَلَوْ أَتْلَفَهُ مُبَاشَرَةً عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَتْلَفَهُ بِطَرِيقِ التَّسْبِيبِ.
وَلَوْ أَوَطْأَهُ الْمَوْلَى وَهُوَ يَسِيرُ عَلَى دَابَّتِهِ أَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَتَعَمَّدْ الْوَطْءَ وَلَا الْوُقُوعَ فَهَذَا اخْتِيَارٌ وَعَلَيْهِ الْأَرْشُ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ قَتْلَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَمُبَاشَرَةُ الْقَتْلِ بِتَفْوِيتِ مَحَلِّ الدَّفْعِ فَإِذَا كَانَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ يُجْعَلُ اخْتِيَارًا وَلَا مُعْتَبَرُ بِتَعَمُّدِهِ الْوَطْءَ وَالْوُقُوعَ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَاطِنِهِ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ كَاتَبَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِجِنَايَتِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ مَنَعَ الدَّفْعَ بِمَا أَحْدَثَ مِنْ التَّصَرُّفِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ حِينَ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ فَيَكُونُ مُسْتَهْلِكًا مَحَلَّ الدَّفْعِ وَذَلِكَ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ لِمَوْلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ كَالرَّاهِنِ إذَا اسْتَهْلَكَ الْمَرْهُونَ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ كَانَ عَلِمَ بِإِحْدَى الْجِنَايَتَيْنِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْأُخْرَى فَهُوَ مُخْتَارٌ لِلَّذِي عَلِمَ بِهَا وَعَلَيْهِ الْأَرْشُ وَلِلْأُخْرَى حِصَّتُهَا مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ تَصَرُّفَهُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجِنَايَتَيْنِ كَأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ سِوَاهَا فَفِيمَا كَانَ عَالِمًا بِهَا يَجْعَلُ مُخْتَارًا لِوُجُودِ دَلِيلِ الِاخْتِيَارِ وَفِيمَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهَا مُسْتَهْلِكًا مَحَلَّ الدَّفْعِ فَعَلَيْهِ حِصَّتُهَا مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ.
وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً لَمْ تَبْلُغْ النَّفْسَ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَهُوَ يَعْلَمُ بِهَا قَبْلَ الْبُرْءِ ثُمَّ انْتَقَضَتْ الْجِرَاحَةُ فَمَاتَ وَهُوَ مُخْتَارٌ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِتَخَيُّرِ الْمَوْلَى جِنَايَةُ الْعَبْدِ وَإِنَّمَا وُجِدَ الْإِعْتَاقُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ اخْتِيَارًا لِلْأَرْشِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ أَدَاءَ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ زَهُوقِ الرُّوحِ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ أَدَائِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَعْتَقَهُ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ بَرِئَتْ فَقَدْ صَارَ مُخْتَارًا لِمَا يَجِبُ مِنْ الْأَرْشِ بَرَأَتْ أَوْ سَرَتْ.
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ ضَرَبْت فُلَانًا بِالسَّيْفِ أَوْ بِالْعَصَا أَوْ بِسَوْطٍ أَوْ بِيَدِك أَوْ شَجَجْتَهُ أَوْ جَرَحْتَهُ فَأَنْتِ حُرٌّ فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ فَمَاتَ مِنْهُ عَتَقَ وَالْمَوْلَى مُخْتَارٌ لِلدِّيَةِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِشَرْطٍ هُوَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْأَرْشِ وَتَخَيُّرِهِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاء فَقَدْ صَارَ رَاضِيًا بِالْتِزَامِ الْفِدَاءِ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إذَا مَرِضْتُ فَمَرِضَ وَمَاتَ يَصِيرُ فَارًّا مِنْ مِيرَاثِهَا فَإِنْ كَانَتْ جِنَايَةُ الْعَبْدِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْقِصَاصُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِصَاصُ عَلَى الْعَبْدِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَلَا يَصِيرُ الْمَوْلَى بِالْعِتْقِ مُفَوِّتًا حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.
وَإِذَا جَرَحَ الْعَبْدُ رَجُلًا فَخُوصِمَ فِيهِ الْمَوْلَى فَاخْتَارَ الْعَبْدَ وَأَعْطَى الْأَرْشَ ثُمَّ انْتَقَضَتْ الْجِرَاحَةُ فَمَاتَ الْمَجْرُوحُ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى خِيَارًا مُسْتَقْبَلًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ إلَى الْقِيَاسِ وَأَخَذَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالِاسْتِحْسَانِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ بِهَذِهِ الصُّورَةِ فِي الْكُتُبِ ثَلَاثَ مَسَائِلَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةُ تَكْرَارِ تِلَاوَةِ السَّجْدَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْمَوْلَى اخْتَارَ الْأَرْشَ بَعْدَ مَا تَقَرَّرَ السَّبَبُ فَنَزَلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ اخْتِيَارِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ وَهَذَا لِأَنَّهُ أَقْدَمُ عَلَى الِاخْتِيَارِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ قَدْ يَبْرَأُ وَقَدْ يَنْتَقِضُ فَيَسْرِي إلَى النَّفْسِ.
يُوضِحُهُ أَنَّ الِاخْتِيَارَ قَدْ يَكُونُ مِنْهُ حُكْمًا وَقَدْ يَكُونُ قَصْدًا فَقَدْ صَارَ مُخْتَارًا لِمَا يَجِبُ بِهَا ثُمَّ الِاخْتِيَارُ بِطَرِيقِ الْحُكْمِ يُسَوَّى فِيهِ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْبُرْءِ وَمَا بَعْدَهُ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ اخْتِيَارٌ لِمُوجِبِ الْفِعْلِ فَكَذَلِكَ فِي الِاخْتِيَارِ قَصْدًا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَوْلَى اخْتَارَ الْأَرْشَ عَلَى حُسْبَانِ أَنَّ الْبُرْءَ قَدْ تَمَّ وَإِنَّ الْوَاجِبَ أَرْشُ الطَّرَفِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ دَلِيلَ اخْتِيَارِهِ الدِّيَةَ فَالْإِنْسَانُ قَدْ يَخْتَارُ الشَّيْءَ إذَا كَانَ قَلِيلًا وَلَا يَخْتَارُهُ إذَا كَانَ كَثِيرًا فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ هُوَ الدِّيَةَ قُلْنَا يُخَيَّرُ خِيَارًا مُسْتَقْبَلًا بِمَنْزِلَةِ الشَّفِيعِ إذَا أَخْبَرَ بِثَمَنٍ قَلِيلٍ فَطَلَبَ الشُّفْعَةَ وَقَضَى لَهُ بِهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ عَلَى خِيَارِهِ وَلَوْ أَخْبَرَ أَنَّ الثَّمَنَ كَثِيرٌ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ كَانَ هُوَ عَلَى حَقِّهِ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ تَفْوِيتٌ لِمَحَلِّ الدَّفْعِ وَلَا يُمْكِنُ إبْقَاءُ خِيَارِهِ بَعْدَهُ قَائِمًا وَعِنْدَ الِاخْتِيَارِ قَصْدًا لَا يَفُوتُ مَحَلُّ الدَّفْعِ فَلِهَذَا كَانَ عَلَى خِيَارِهِ إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَا إذَا أَعْطَى الْأَرْشَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَبَيْنَ مَا إذَا أَعْطَاهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، قَالَ: إذَا أَعْطَاهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنَّ الْمَجْرُوحَ يُخَيَّرُ خِيَارًا مُسْتَقْبَلًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْطَاهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنَّ ذَلِكَ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلدِّيَةِ طَوْعًا بِمَنْزِلَةِ مَنْ اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ فَأَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعَبْدُ فَإِنْ أَخَذَهَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهَا وَإِنْ أَخَذَهَا بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي جَعَلَ ذَلِكَ كَالشِّرَاءِ الْمُبْتَدَإِ وَعَنْ زُفَرَ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا قَضَى بِالْأَرْشِ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِهِ.
قَالَ: وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً فَاخْتَارَ الْمَوْلَى إمْسَاكَ عَبْدِهِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ قَاضٍ أَوْ عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ فَالْعَبْدُ عَبْدُهُ وَالْأَرْشُ دَيْنٌ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ أَدَّى الدِّيَةَ مَكَانَهُ وَإِلَّا دَفَعَ الْعَبْدَ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْأَوْلِيَاءُ أَنْ يَتْبَعُوهُ بِالدِّيَةِ عَلَى مَا قَالَ فَإِنْ رَضُوا بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعُوا فِي الْعَبْدِ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ نَفْسَ صَاحِبِ الْعَبْدِ صَارَ حَقًّا لِمَوْلَى الْجِنَايَةِ إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْوِيلِ حَقِّهِمْ مِنْ الْعَبْدِ إلَى الْأَرْشِ بِاخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ فَإِذَا أَعْطَاهُمْ الْأَرْشَ كَانَ هَذَا تَحْوِيلًا لِحَقِّهِمْ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ فِيهِ وَفَاءٌ بِحَقِّهِمْ فَيَكُونُ صَحِيحًا مِنْهُ وَإِذَا كَانَ مُفْلِسًا كَانَ هَذَا مِنْهُ إبْطَالًا لِحَقِّهِمْ لَا تَحْوِيلًا مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ يُعَدُّ لَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ بَاطِلًا مِنْ الْمَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِلْمَوْلَى كَانَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ مِنْ الشَّرْعِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ صَاحِبُ الْحَقِّ.
فَإِذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى الضَّرَرِ كَانَ بَاطِلًا بِمَنْزِلَةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ مُفْلِسًا فَإِنَّ الدَّيْنَ يَعُودُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ لِأَنَّهُ حَوَّلَ حَقَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يُسْلِمَ لَهُ فَإِذَا لَمْ يُسْلِمْ عَادَ كَمَا كَانَ وَفِي بَيْعِ الْمُعَاوَضَةِ إذَا هَلَكَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْآخَرِ لِأَنَّ صَاحِبَهُ حَوَّلَ حَقَّهُ إلَى الْعِوَضِ الْآخَرِ بِشَرْطِ أَنْ يُسْلِمَ لَهُ فَإِذَا لَمْ يُسْلِمْ عَادَ كَمَا كَانَ وَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَالْآخَرُ بِالشُّفْعَةِ إنْ سَلَّمَ الثَّمَنَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي فَصْلِ الشُّفْعَةِ بِالتَّسْلِيمِ فَهَاهُنَا أَيْضًا إنْ رَضِيَ الْمَوْلَى كَانَ مُسْقِطًا حَقَّهُ فِي الْعَبْدِ وَإِنْ أَبَى كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَالْمُخَيَّرُ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ وَاجِبًا مِنْ الْأَصْلِ كَالْمُكَفِّرِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ فَهَاهُنَا بِاخْتِيَارِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الدِّيَةُ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى مِنْ الْأَصْلِ وَأَنَّ الْعَبْدَ فَارِغٌ مِنْ الْجِنَايَةِ فَلَا يَكُونُ لِأَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ.
يُوضِحُهُ أَنَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ شَرْعًا يَسْتَبِدُّ بِالْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى رِضَا صَاحِبِهِ وَلَوْ رَضِيَ الْأَوْلِيَاءُ أَنْ يَتْبَعُوا بِالدِّيَةِ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ حَقٌّ فِي الْعَبْدِ فَكَذَلِكَ إذَا اخْتَارَ الْمَوْلَى ذَلِكَ فِي حَالِ مَا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ شَرْعًا وَقِيلَ: إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْحَقِيقَةِ تُبْنَى عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي التَّفْلِيسِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ التَّفْلِيسُ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَالْمَالُ غَادٍ وَرَائِحٌ وَهَذَا التَّصَرُّفُ مِنْ الْمَوْلَى يَكُونُ تَحْوِيلًا لِحَقِّ الْأَوْلِيَاءِ إلَى ذِمَّتِهِ لَا إبْطَالًا وَعِنْدَهُمَا التَّفْلِيسُ مُعْتَبَرٌ وَالْمَالُ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ يَكُونُ تَأَوِّيًا فَيَكُونُ هَذَا الِاخْتِيَارُ مِنْ الْمَوْلَى إبْطَالًا لِحَقِّ الْأَوْلِيَاءِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ اخْتِيَارَ الْمَوْلَى هَاهُنَا مُعْتَبَرٌ حَتَّى لَا يَكُونَ لِأَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ حَقُّ تَمَلُّكِ الْعَبْدِ بِالْأَخْذِ بَعْدَ هَذَا الِاخْتِيَارِ وَلَكِنْ يُبَاعُ الْعَبْدُ فِيهِ فَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ مِنْ حِسَابِ الدِّيَةِ الَّتِي عَلَى الْمَوْلَى وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ فِي الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: الْقَاضِي يَحْجُرُ عَلَى الْمَدْيُونِ وَيَبِيعُ عَلَيْهِ مَالَهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ.
قَالَ: وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً خَطَأً ثُمَّ أَقَرَّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ حُرٌّ قَبْلَ الدَّفْعِ إلَيْهِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَلَا عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ حُرٌّ وَأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لَا يَسْتَحِقُّ بِهَا رَقَبَتَهُ وَزَعْمُهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّهِ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ هَذَا الْإِقْرَارِ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ لَمْ يُدْعَ عَلَى الْمَوْلَى بَعْدَ الْجِنَايَةِ حَتَّى يَصِيرَ بِهِ مُخْتَارًا أَوْ مُسْتَهْلَكًا وَلَوْ كَانَ إقْرَارُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا دَفَعَ إلَيْهِ الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالدَّفْعِ وَقَدْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ فَيُعْتَق بِإِقْرَارِهِ وَيَكُونُ مَوْقُوفَ الْوَلَاءِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ أَعْتَقَهُ.
قَالَ: وَإِذَا جَنَتْ الْأَمَةُ جِنَايَةً ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا أَوْ اكْتَسَبَتْ كَسْبًا فَإِنَّ مَوْلَاهَا يَدْفَعُهَا بِالْجِنَايَةِ وَلَا يَدْفَعُ وَلَدَهَا وَلَا كَسْبَهَا لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ نَفْسِهَا بِالْجِنَايَةِ الْخَطَأِ كَاسْتِحْقَاقِ نَفْسِهَا بِالْعَمْدِ قِصَاصًا وَذَلِكَ لَا يَسْرِي إلَى الْكَسْبِ وَالْوَلَدِ وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ فِي عَيْنِهَا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمَوْلَى مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَهَا أَوْ يَفْدِيَهَا بِالْأَرْشِ وَإِنَّمَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ مَا يَكُونُ مُتَأَكِّدًا فِي الْأَصْلِ حِينَ انْفَصَلَ الْوَلَدُ عَنْهَا وَأَمَّا الْكَسْبُ فَإِنَّمَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ وَعِنْدَ الِاكْتِسَابِ كَانَ مِلْكُ الْأَصْلِ لِلْمَوْلَى دُونَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَإِنْ جَنَى عَلَيْهَا فَأَخَذَ الْمَوْلَى لِذَلِكَ أَرْشًا فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْأَرْشَ مَعَهَا لِأَنَّ الْأَرْشَ عِوَضٌ عَنْ الْجُزْءِ الْفَائِتِ مِنْهَا بِالْجِنَايَةِ وَحَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ كَانَ ثَابِتًا فِيهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَيَثْبُتُ فِي بَدَلِ جُزْءٍ مِنْهَا أَيْضًا وَالْجُزْءُ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ وَلَوْ قُتِلَتْ وَأَخَذَ الْمَوْلَى قِيمَتَهَا كَانَ عَلَيْهِ دَفْعُ تِلْكَ الْقِيمَةِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ.
فَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ أَرْشَ جُزْءٍ مِنْهَا بِخِلَافِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ حُرٌّ وَهُوَ زِيَادَةٌ حَادِثَةٌ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَحَقُّ الْوَلِيِّ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْأَجْزَاءِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ وَإِنْ كَانَ جَنَى عَلَيْهَا قَبْلَ جِنَايَتِهَا لَمْ يَدْفَعْ الْمَوْلَى ذَلِكَ الْأَرْشَ مَعَهَا لِأَنَّ الْجُزْءَ الْفَائِتَ بِتِلْكَ الْجِنَايَةِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ جِنَايَتِهَا فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِيهِ وَلَا فِي بَدَلِهِ بِخِلَافِ الْفَائِتِ بَعْدَ جِنَايَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَيْهَا كَانَ قَبْلَ جِنَايَتِهَا أَوْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْأَرْشَ الْمَقْبُوضَ فِي يَدِ الْمَوْلَى فَأَوْلِيَاءُ الْجِنَايَةِ يَدَّعُونَ اسْتِحْقَاقَ ذَلِكَ عَلَى الْمَوْلَى وَهُوَ يُنْكِرُ وَلِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَهَا بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى فِي بَيَانِ صِفَتِهَا حِينَ ثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ لَهُمْ وَإِنْ كَانَ وَجَبَ الْأَرْشُ بَعْدَ جِنَايَتِهَا فَأَمْسَكَهَا الْمَوْلَى وَفَدَاهَا فَلَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِذَلِكَ الْأَرْشِ فِي الْفِدَاءِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ الْفِدَاءَ حَتَّى اسْتَهْلَكَ أَوْ وَهَبَهُ الْجَانِي عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ مُخْتَارًا وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا لِأَنَّ الْأَرْشَ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا فَتَصَرُّفُهُ فِي الْأَرْشِ لَا يَكُونُ تَصَرُّفًا فِيهَا وَلَا يَتَعَذَّرُ دَفْعُهَا فَكَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ حَدَثَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ أَمَتَيْنِ فَاسْتَهْلَكَ أَحَدَهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْأُخْرَى بِجِنَايَتِهَا ثُمَّ عَلَيْهِ أَنْ يَغْرَمَ مِثْلَ مَا اسْتَهْلَكَ فَيَدْفَعُهُ مَعَهَا لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثَبَتَ فِي ذَلِكَ الْأَرْشِ وَقَدْ أَتْلَفَهُ الْمَوْلَى بِتَصَرُّفِهِ.
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَ الْمَوْلَى جُزْءًا مِنْهَا بِجِنَايَتِهِ لِأَنَّ هُنَاكَ الْمَوْلَى تَصَرَّفَ فِيهِ بِالْجِنَايَةِ وَالْجُزْءُ الَّذِي أَتْلَفَهُ بِجِنَايَتِهِ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا وَلِهَذَا صَارَ الْمَوْلَى بِهِ مُخْتَارًا وَإِنْ كَانَ الْجَانِي عَلَيْهَا عَبْدًا فَدَفَعَهُ الْمَوْلَى كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُمَا جَمِيعًا أَوْ يَفْدِيَهُمَا بِالدِّيَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ قَائِمٌ مَقَامَ الْجُزْءِ الْفَائِتِ مِنْهَا فَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ فَهَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلْأَمَةِ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَكَذَلِكَ إنْ أَعْتَقَ الْأَمَةَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَ وَاحِدًا مِنْهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَائِمٌ مَقَامَ الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَحُكْمُ الدَّفْعِ فِيهَا لَا يَتَجَزَّأُ بَلْ إذَا تَعَذَّرَ دَفْعُ بَعْضِهَا بِتَصَرُّفِ الْمَوْلَى يَتَعَذَّرُ دَفْعُ كُلِّهَا فَكَذَلِكَ حَالُ الْعَبْدِ الْمَدْفُوعِ مَكَانَ الْجُزْءِ الْفَائِتِ مِنْهَا وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَرْشِ الْمُسْتَوْفَى مِنْ الْجَانِي إذَا كَانَ جُزْءًا لِأَنَّ الْأَرْشَ دَرَاهِمُ وَفِي الدَّرَاهِمِ لَا يَثْبُتُ لِلْمَوْلَى الْخِيَارُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَإِقْدَامُهُ عَلَى التَّصَرُّفِ إنَّمَا يَكُونُ دَلِيلَ الِاخْتِيَارِ إذَا صَادَفَ مَحَلًّا ثَبَتَ لَهُ فِيهِ الْخِيَارُ فَأَمَّا هُنَا فَالْخِيَارُ ثَابِتٌ لَهُ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُفِيدُ التَّخَيُّرَ فِيهِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فَإِعْتَاقُهُ أَحَدَهُمَا يَكُونُ تَصَرُّفًا فِي الْمَحَلِّ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ فِيهِ الْخِيَارُ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ اخْتِيَارًا وَهَذَا الِاخْتِيَارُ يَثْبُتُ لَهُ فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ جِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَكُونُ اخْتِيَارُهُ أَحَدَهُمَا اخْتِيَارًا لَهُمَا جَمِيعًا بِخِلَافِ الْأَمَتَيْنِ إذَا جَنَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لَهُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا بِاعْتِبَارِ جِنَايَةٍ عَلَى حِدَةٍ فَلَا يَكُونُ اخْتِيَارُهُ إحْدَى الْجِنَايَتَيْنِ دَلِيلُ الِاخْتِيَارِ مِنْهُ فِي الْأُخْرَى فَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ ثُمَّ اخْتَارَ دَفْعَ الْأَمَةِ دَفَعَ مَعَهَا قِيمَةَ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ كَانَ عَلَيْهِ دَفْعُهُ مَعَهَا وَقَدْ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لَهُ بِالْإِعْتَاقِ حِينَ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْأَمَةَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَلَوْ كَانَ هَذَا الْعَبْدُ فَقَأَ عَيْنَ الْأَمَةِ فَدَفَعَ بِهَا وَأَخَذَتْ الْجَارِيَةُ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَصِيرُ مَكَانَهَا يَدْفَعُهُ الْمَوْلَى أَوْ يَفْدِيَهُ بِالدِّيَةِ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهَا حِينَ دَفَعَ بِهَا وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهَا عَبْدٌ فَدَفَعَ بِهَا وَلَوْ قَتَلَهَا حُرٌّ خَطَأً فَأَخَذَ الْمَوْلَى قِيمَتَهَا لَمْ يَقُلْ لِلْمَوْلَى: ادْفَعْهَا أَوْ افْدِهَا وَلَكِنَّهُ يَدْفَعُ قِيمَتَهَا لِأَنَّ الْقِيمَةَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَالْأَرْشُ كَذَلِكَ وَلَا مَعْنَى لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ الَّتِي قَبَضَهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَالْمَدْفُوعُ هُنَاكَ عَبْدٌ وَلِلنَّاسِ فِي الْأَعْيَانِ أَغْرَاضٌ فَتَخْيِيرُهُ بَيْنَ دَفْعِ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْفِدَاءِ بِالْقِيمَةِ يَكُونُ مُقَيَّدًا.
وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ قَتَلَتْ جَارِيَةُ الْمَوْلَى الْعَبْدَ خَطَأً قِيلَ لِلْمَوْلَى: ادْفَعْهَا أَوْ افْدِهَا بِقِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْجَانِيَ صَارَ مُسْتَحَقًّا لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَجِنَايَةُ جَارِيَةِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ جِنَايَتِهَا عَلَى عَبْدٍ مَمْلُوكٍ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَلَوْ قَتَلَتْ عَبْدًا أَوْ مَمْلُوكًا لَهُ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَدْفَعَهَا أَوْ يَفْدِيَهَا بِقِيمَةِ الْعَبْدِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُلْزِمَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا لِأَنَّ إعْطَاءَهُ قِيمَةَ الْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ إعْطَائِهِ الْعَبْدَيْنِ لَوْ كَانَ قَائِمًا وَلَوْ أَعْطَاهُمْ الْعَبْدَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ آخَرُ فَكَذَلِكَ إذَا أَعْطَاهُمْ قِيمَتَهُ بَعْدَ مَا قَتَلَتْهُ أَمَتُهُ.
قَالَ: وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلًا خَطَأً وَقَتَلَتْ الْأَمَةُ رَجُلًا وَهُمَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ ثُمَّ إنَّ الْعَبْدَ قَتَلَ الْأَمَةَ خَطَأً وَاخْتَارَ الْمَوْلَى دَفْعَهُ فَإِنَّهُ يُقْسِمُ عَلَى قِيمَة الْأَمَةِ وَدِيَةِ الْحُرِّ لِأَنَّ الْأَمَةَ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً لِأَوْلِيَاءِ جِنَايَتِهَا وَقَدْ جَنَى الْعَبْدُ عَلَيْهَا فَثَبَتَ حَقُّ أَوْلِيَاءِ جِنَايَتِهَا فِي مِقْدَارِ قِيمَتِهَا وَحَقُّ أَوْلِيَاءِ الْحُرِّ فِي الدِّيَةِ وَمَوْلَاهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ ضَرَبَ فِيهِ أَوْلِيَاءُ الْحُرِّ بِدِيَةِ الْحُرِّ وَأَوْلِيَاءُ الْأَمَةِ بِقِيمَتِهَا فَيُقْسَمُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَدَاهُ بِدِيَةِ الْحُرِّ وَبِقِيمَةِ الْأَمَةِ لِأَوْلِيَاءِ جِنَايَتِهَا.
قَالَ وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً فَفَدَاهُ الْمَوْلَى مِنْهَا ثُمَّ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى قِيلَ لَهُ ادْفَعْهُ بِهَا أَوْ افْدِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا فَدَاهُ مِنْ الْأُولَى فَقَدْ طَهَّرَهُ مِنْهَا فَكَأَنَّهُ مَا وَجَدَ مِنْهُ إلَّا الْجِنَايَةَ الْأُخْرَى فَيُخَاطَبُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْضِ مِنْ الْأُولَى شَيْئًا حَتَّى جَنَى الثَّانِيَةَ دَفَعَهُ بِهِمَا أَوْ فَدَاهُ لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ اجْتَمَعَتَا فِي رَقَبَتِهِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ بِدَفْعِهِ وَيَقُولَ إنَّمَا لَحِقَنِي هَذَا الشَّغْلُ بِسَبَبِ مِلْكِي رَقَبَةَ الْعَبْدِ وَأَنَا أَتَخَلَّصُ بِدَفْعِهِ فَيَدْفَعُهُ بِالْجِنَايَتَيْنِ أَوْ يَفْدِيهِ بِأَرْشِهِمَا.
وَإِذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ جَنَى فِي حَالِ رِقِّهِ جِنَايَةً عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا الْقَوَدَ فِي النَّفْسِ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهَا قَبْلَ الْعِتْقِ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ إلَّا بِالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَوَدِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَهَذَا لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا إنَّمَا يُقِرُّ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ فِيمَا يُوجِبُ الْمَالَ يَكُونُ عَلَى الْمَوْلَى لَا شَيْءَ مِنْهُ عَلَى الْعَبْدِ قَبْلَ عِتْقِهِ وَلَا بَعْدَ عِتْقِهِ وَإِقْرَارُهُ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي الْحَالَيْنِ فَأَمَّا مَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْقَوَدِ فَإِقْرَارُهُ يَكُونُ عَلَى نَفْسِهِ.
وَلَوْ جَنَتْ أَمَةٌ جِنَايَةَ فَقَالَ الْمَوْلَى كُنْت أَعْتَقْتهَا قَبْلَ الْجِنَايَةِ أَوْ دَبَّرْتهَا أَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِي فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ مِنْ أَجْلِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ إنْ قَالَ هَذَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ وَإِنْ قَالَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ فَيُجْعَلُ إقْرَارُهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْشَاءِ فِي حَقِّهِمْ وَإِنْ أَنْشَأَ الْعِتْقَ أَوْ التَّدْبِيرَ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ مَا بَيَّنَّا فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قَبْلَ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ حِينَ لَمْ يُصَدِّقْهُ أَوْلِيَاءُ الْجِنَايَةِ فِيهِ.
وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً فَأَخْبَرَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وَلِيَّ الْعَبْدِ فَأَعْتَقَهُ فَقَالَ لَمْ أُصَدِّقْهُ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ فَهُوَ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ لِأَنَّ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ فِي اخْتِيَارِهِ يَطْلُبُ بِحَقِّهِ فَعَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ فِي خَبَرِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ الْقَاضِيَ بِذَلِكَ وَطَالَبَهُ بِإِحْضَارِ الْمَوْلَى وَتَكْلِيفِهِ الْجَوَابَ أَجَابَهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا أَخْبَرَ الْمَوْلَى بِذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى خَبَرِهِ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ وَأَعْتَقَ الْعَبْدَ كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ فَيَكُونُ مُخْتَارًا وَكَذَلِكَ إنْ أَخْبَرَهُ رَسُولُ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَاسِقًا كَانَ الرَّسُولُ أَوْ عَدْلًا لِأَنَّ عِبَارَةَ الرَّسُولِ كَعِبَارَةِ الْمُرْسِلِ فَأَمَّا إذَا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فُضُولِيٌّ فَإِنْ صَدَّقَهُ فِيمَا أَخْبَرَهُ بِهِ ثُمَّ أَعْتَقَ الْعَبْدَ فَهُوَ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ أَيْضًا وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ حَتَّى أَعْتَقَ الْعَبْدَ فَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ لِأَنَّ خَبَرَ الْعَدْلِ مَقْبُولٌ فِيمَا يَكُونُ مُلْزِمًا وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ فَاسِقًا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَلَكِنْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ بِاسْتِهْلَاكِهِ إيَّاهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ هُوَ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ وَهَذَا مِنْ الْجِنْسِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي الْمَأْذُونِ أَنَّ عِنْدَهُمَا خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولٌ عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ لَا يُعْتَبَرُ خَبَرُ الْفَاسِقِ وَهَذَا خَبَرُ الْمُلْزَمِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ يَلْزَمُهُ الْفِدَاءُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ خَبَرُ الْفَاسِقِ إذَا كَانَ فُضُولِيًّا وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِهِ فَاسِقٌ فَفِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَذَلِكَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِأَنَّهُ تَمَّ إحْدَى شَطْرَيْ الْحُجَّةِ وَهُوَ الْعَدَدُ فَيُعْتَبَرُ بِمَا لَوْ وَجَدَ الشَّطْرَ الْآخَرَ وَهُوَ الْعَدَالَةُ فِي حَقِّ الْمُخْبِرِ الْوَاحِدِ.
وَلَوْ جَنَى عَبْدُهُ جِنَايَةً فَقَالَ الْمَوْلَى كُنْتُ بِعْتُهُ مِنْ فُلَانٍ قَبْلَ الْجِنَايَةِ وَصَدَّقَهُ فُلَانٌ أَوْ قَالَ هُوَ لَهُ لَمْ يَكُنْ لِي قَطُّ وَصَدَّقَهُ فُلَانٌ قِيلَ لِفُلَانٍ ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا أَتْلَفَ عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ شَيْئًا حِينَ أَخْرَجَهُ إلَى مِلْكِ رَجُلٍ يُخَاطَبُ بِدَفْعِهِ أَوْ الْفِدَاءِ كَمَا كَانَ هُوَ يُخَاطِبُ بِهِ فَإِنْ كَذَّبَهُ فُلَانٌ قِيلَ لِلْمَوْلَى ادْفَعْهُ أَنْتَ أَوْ افْدِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ لَهُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ وَالْإِقْرَارُ بَطَلَ بِتَكْذِيبِ الْمَقَرِّ لَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَيُخَاطَبُ ذُو الْيَدِ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ.
وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا فِي يَدِ رَجُلٍ جَنَى جِنَايَةً فَقَالَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ هُوَ عَبْدُك فَقَالَ الرَّجُلُ هُوَ وَدِيعَةٌ عِنْدِيّ لِفُلَانٍ أَوْ عَارِيَّةٌ أَوْ إجَارَةُ أَوْ رَهْنٌ فَإِنْ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً أَخَّرَ الْأَمْرَ فِيهِ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ فَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً خُوطِبَ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَقَالَ زُفَرُ هُوَ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى دَفْعِهِ فَيُجْعَلُ بِهِ مُقَوِّمًا لِلدَّفْعِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ وَلَكِنَّا نَقُولُ هُوَ بِكَلَامِهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ أَصْلًا وَاخْتِيَارُهُ يُبْنَى عَلَى كَوْنِهِ خَصْمًا فَإِذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِيهِ صَارَ إثْبَاتُ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ كَالْإِثْبَاتِ بِالْمُعَايَنَةِ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ الْخَصْمُ بِاعْتِبَارِ ظُهُورِ يَدِهِ فِيهِ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ دَفْعِهِ فَيُخَاطَبُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَلَا مَعْنَى لِجَعْلِهِ مُخْتَارًا مَعَ بَقَاءِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الدَّفْعِ بِالْجِنَايَةِ فَإِنْ فَدَاهُ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ أَخَذَ عَبْدَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ وَقَدْ اتَّصَلَ تَصْدِيقُهُ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ وَقَدْ كَانَ ذُو الْيَدِ مُتَبَرِّعًا فِي هَذَا الْفِدَاءِ فَإِنَّهُ مَا كَانَ مُجْبَرًا عَلَيْهِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ عَلَى الْمَقَرِّ لَهُ وَإِنْ كَانَ دَفَعَهُ فَالْغَائِبُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْضَى ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَبْدَ وَدَفَعَ الْأَرْشَ لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ اتَّصَلَ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ أَمْضَى دَفَعَهُ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اخْتِيَارِ الدَّفْعِ مِنْهُ ابْتِدَاءً وَإِنْ اخْتَارَ الْأَرْشَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَبْدَهُ وَإِنْ أَنْكَرَ الْغَائِبُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ لَهُ فَمَا صَنَعَ الْأَوَّلُ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بَطَلَ بِتَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ.
وَإِذَا كَانَ عَبْدٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَهُوَ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ لَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ فَأَقَرَّ عَلَيْهِ بِجِنَايَةٍ خَطَأً ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ لِرَجُلٍ آخَرَ وَأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ قَطُّ وَصَدَّقَهُ الرَّجُلُ فَالْعَبْدُ لَهُ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الثَّابِتَةَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى لَا تَكُونُ أَقْوَى مِنْ الثَّابِتَةِ بِالْمُعَايَنَةِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَالْإِقْرَارُ بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ إنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْجِنَايَةِ فَهُوَ مُخْتَارٌ لِلْأَرْشِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ ثَبَتَتْ عَلَى الْعَبْدِ بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ عَلَيْهِ بِهَا ثُمَّ صَارَ مُتْلِفًا الْعَبْدَ بِإِقْرَارِهِ بِالْمِلْكِ فِيهِ لِغَيْرِهِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَمْلِيكِهِ مِنْهُ بِالْبَيْعِ وَذَلِكَ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلْفِدَاءِ فَهَذَا مِثْلُهُ إذَا كَانَ ذُو الْيَدِ أَقَرَّ أَنَّهُ عَبْدُهُ قَبْلَ إقْرَارِهِ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ إقْرَارِهِ لِهَذَا الرَّجُلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ قَبْلَ إقْرَارِهِ لِهَذَا الرَّجُلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ مَا أَتْلَفَ شَيْئًا عَلَى أَحَدٍ وَإِنَّمَا أَقَرَّ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِالْجِنَايَةِ وَإِقْرَارُهُ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يُلْزِمُهُ شَيْئًا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ هُنَاكَ ذُو الْيَدِ قَدْ صَارَ مُخَاطَبًا بِالدَّفْعِ وَثَبَتَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا هُوَ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَإِذَا حَوَّلَهُ بِإِقْرَارِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ خُوطِبَ بِمَا كَانَ يُخَاطَبُ بِهِ الْمُقِرُّ وَهَا هُنَا بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ مَا ثَبَتَتْ بِهِ الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ فِي حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ فَلِهَذَا لَا يُخَاطَبُ بِشَيْءٍ.
قَالَ وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً ثُمَّ أَصَابَهُ عَيْبٌ سَمَاوِيٌّ فَإِنَّ الْمَوْلَى يُخَاطَبُ بِدَفْعِهِ أَوْ الْفِدَاءِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي يَدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فَإِذَا فَاتَ جُزْءٌ مِنْهُ بِغَيْرِ صُنْعِهِ أَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ لَوْ بَعَثَهُ الْمَوْلَى فِي حَاجَةٍ فَعَطِبَ فِيهَا أَوْ اسْتَخْدَمَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا لَحِقَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى حَقَّ الِاسْتِخْدَامِ فِي الْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْفَعْهُ فَلَا يَكُونُ فِعْلُهُ ذَلِكَ تَعَدِّيًا فَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بَعْدَ جِنَايَتِهِ فَاسْتَغْرَقَ رَقَبَتَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ قِيمَتَهُ لِأَهْلِ الْجِنَايَةِ تَعَدِّيًا وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الدَّفْعِ فِي الْجِنَايَةِ فَلَا يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا وَلَكِنَّ اسْتِحْقَاقَ مَالِيَّتِهِ فِي الدَّيْنِ يَثْبُتُ بِذَلِكَ الْإِذْنِ فَيَصِيرُ الْمُتْلَفُ بِهِ كَالْمُتْلِفِ لِلْمَالِيَّةِ عَلَى أَهْلِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ بِالْجِنَايَةِ حِينَ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ لِأَنَّ حَقَّهُمْ كَانَ ثَابِتًا فِي عَبْدٍ غَيْرِ مَشْغُولِ الْمَالِيَّةِ فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ.
قَالَ: وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ قَتِيلًا خَطَأً ثُمَّ فَقَأَ رَجُلٌ عَيْنَهُ ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ خَطَأً ثُمَّ اخْتَارَ الْمَوْلَى دَفْعَهُ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ أَرْشَ الْعَيْنِ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى الْأَوَّلِ وَعَيْنُهُ كَانَتْ صَحِيحَةً فَيَثْبُتُ فِيهَا حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ثُمَّ فَاتَتْ وَأَخْلَفَتْ بَدَلًا فَيَكُونُ الْبَدَلُ لَهُ وَلَا مُزَاحَمَةَ لِلثَّانِي مَعَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى الثَّانِي وَهُوَ أَعْوَرُ فَلَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الثَّانِي فِي هَذِهِ الْعَيْنِ أَصْلًا ثُمَّ يَكُونُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا يَضْرِبُ فِيهِ الْأَوَّلُ بِالدِّيَةِ إلَّا مَا أَخَذَ مِنْ أَرْشِ الْعَيْنِ وَيَضْرِبُ فِيهِ الْآخَرُ بِالدِّيَةِ حَتَّى إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَكَانَ أَرْشُ الْعَيْنِ خَمْسَمِائَةٍ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَقْسِمُ بَيْنَهُمَا عَلَى تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنَّمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ تِسْعَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ فَيَضْرِبُ بِذَلِكَ فِي الْعَبْدِ وَالثَّانِي إنَّمَا يَضْرِبُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ كَمَالِ الدِّيَةِ فَإِذَا جَعَلْت كُلَّ خَمْسِمِائَةٍ سَهْمًا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا عَلَى تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الَّذِي فَقَأَ عَيْنَهُ عَبْدًا فَدَفَعَ بِهِ كَانَ وَلِيُّ الْأَوَّلِ أَحَقَّ بِهِ ثُمَّ يَضْرِبُ مَعَ الْآخَرِ بِالدِّيَةِ إلَّا قِيمَةَ الْعَبْدِ الَّذِي أَخَذَهُ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ حَقِّهِ.
وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ قَتِيلًا خَطَأً وَلِلْمَقْتُولِ وَلِيَّانِ فَدَفَعَهُ الْمَوْلَى إلَى أَحَدِهِمَا بِقَضَاءِ قَاضٍ ثُمَّ قُتِلَ عِنْدَهُ آخَرُ ثُمَّ جَاءَ وَلِيُّ الْآخَرِ وَالشَّرِيكُ فِي الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ الْأَوَّلِ: ادْفَعْ نِصْفَك إلَى الْأَوَّلِ أَوْ افْدِهِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ لِأَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ صَارَ مَمْلُوكًا بِالدَّفْعِ إلَيْهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنَّمَا جَنَى عَلَى مِلْكِهِ فَيُخَاطَبُ بِأَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ النِّصْفَ أَوْ يَفْدِيَهُ بِنِصْفِ الدِّيَةِ فَإِنْ دَفَعَهُ بَرِئَ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ وَيَرُدُّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَرُدُّهُ عَلَى مَنْ أَخَذَ مِنْهُ ثُمَّ يُقَالُ لِلْمَوْلَى: ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ خَمْسَةِ آلَافٍ لِلْآخَرِ وَخَمْسَةِ آلَافٍ لِوَلِيِّ الْأَوَّلِ الَّذِي لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا فَإِنْ دَفَعَهُ ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي هَذَا النِّصْفِ بِخَمْسَةِ آلَافٍ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَحَصَّلَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْآخِرَةِ وَرُبْعَهُ لِلَّذِي لَمْ يَكُنْ قُبِضَ مِنْ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَضْمَنُ الْمَوْلَى الَّذِي كَانَتْ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ فِي يَدِهِ رُبْعَ قِيمَتِهِ لِلْمَوْلَى فَيَدْفَعُهُ إلَى الْأَوْسَطِ لِأَنَّ هَذَا الرُّبْعَ اسْتَحَقَّهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْآخَرُ بِجِنَايَةٍ كَانَتْ مِنْهُ عِنْدَ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَقَدْ كَانَ مَضْمُونًا فِي يَدِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ لِذَلِكَ وَيَدْفَعُهُ إلَى الْأَوْسَطِ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ ثَابِتًا فِي هَذَا الرُّبْعِ وَقَدْ فَاتَ وَأَخْلَفَ بَدَلًا فَيُجْمَعُ لَهُ رُبْعُ الْعَبْدِ وَرُبْعُ الْقِيمَةِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ كَانَ دَفَعَهُ إلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي كَانَ لِلْأَوْسَطِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمَوْلَى هَذَا الرُّبْعَ بِاعْتِبَارِ دَفْعِهِ إلَى صَاحِبِهِ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَهُ فَإِنْ ضَمِنَ الْمَوْلَى رَجَعَ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ الْأَوَّلِ لِمَا قُلْنَا.
قَالَ: وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ قَتِيلِينَ خَطَأً فَدَفَعَهُ الْمَوْلَى إلَى أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلًا خَطَأً ثُمَّ اجْتَمَعُوا وَاخْتَارُوا الدَّفْعَ فَإِنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ الْأَوَّلُ يُقَالُ لَهُ ادْفَعْ نِصْفَ الْعَبْدِ إلَى الْآخَرِ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ وَقَدْ تَمَّ مِلْكُهُ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ثُمَّ كَانَتْ الْجِنَايَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ هَذَا النِّصْفِ عَلَى مِلْكِهِ وَقَدْ اخْتَارَ الدَّفْعَ فَيُؤْمَرُ بِدَفْعِ نِصْفِ الْعَبْدِ إلَيْهِ وَيَرُدُّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ثُمَّ يَدْفَعُهُ الْمَوْلَى إلَى الْأَوْسَطِ وَالْآخَرُ يَضْرِبُ فِيهِ الْآخَرُ بِخَمْسَةِ آلَافٍ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ نِصْفُ حَقِّهِ وَيَضْرِبُ فِيهِ الْأَوْسَطُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ حَقِّهِ فَيَكُونُ هَذَا النِّصْفُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْأَوْسَطِ وَثُلُثُهُ لِلْآخَرِ ثُمَّ يَضْمَنُ الْمَوْلَى سُدُسَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِلْأَوْسَطِ وَهُوَ مَا سَلِمَ مِنْ هَذَا النِّصْفِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأَخِيرَةِ لِأَنَّ حَقَّ الْأَوْسَطِ كَانَ ثَابِتًا فِي جَمِيعِ هَذَا النِّصْفِ وَكَانَ قَدْ دَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَلِهَذَا يَضْمَنُ لَهُ سُدُسَ الْقِيمَةِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ هَذَا السُّدُسِ بِجِنَايَةٍ كَانَتْ فِي يَدِهِ وَإِنْ شَاءَ الْأَوْسَطُ ضَمِنَ هَذَا السُّدُسَ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ هَكَذَا يَقُولُهُ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ مَشَايِخِنَا وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ هَاهُنَا وَلَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مَالِكًا لِهَذَا النِّصْفِ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ حِينَ يَكُونُ قَبَضَ الْأَوَّلَ جِنَايَةً عَلَى حَقِّهِ فَيَكُونُ ضَامِنًا لَهُ وَلَوْ كَانَ الدَّفْعُ بِقَضَاءِ قَاضٍ كَانَ مِثْلَهُ هَذَا أَيْضًا لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِلْأَوْسَطِ وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِسُدُسِ الْقِيمَةِ عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ الْأَوَّلِ لِمَا قُلْنَا وَإِذَا قَبَضَ ذَلِكَ مِنْهُ دَفَعَهُ إلَى الْأَوْسَطِ وَعَلَى مَا يَقُولُهُ الْعِرَاقِيُّونَ الْأَوْسَطُ هُوَ الَّذِي يَرْجِعُ بِسُدُسِ الْقِيمَةِ عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ.
قَالَ: وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ قَتِيلًا خَطَأً وَفَقَأَ عَيْنَ آخَرَ فَدَفَعَهُ الْمَوْلَى إلَى الْمَفْقُوءِ عَيْنُهُ فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلًا آخَرَ ثُمَّ اجْتَمَعُوا فَاخْتَارُوا دَفْعَهُ فَإِنَّ صَاحِبَ الْعَيْنِ يَدْفَعُ ثُلُثَهُ إلَى الْآخَرِ لِأَنَّهُ مَلَكَ الثُّلُثَ وَالْجِنَايَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ هَذَا الثُّلُثِ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ فَيَدْفَعُهُ بِهَا وَيَرُدُّ الثُّلُثَيْنِ عَلَى الْمَوْلَى فَيَدْفَعُهُ الْمَوْلَى إلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِينَ يَضْرِبُ فِيهِ الْأَوَّلُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَالْآخَرُ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَيْهِ ثُلُثُ حَقِّهِ فَيَكُونُ هَذَا مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْأَوَّلِ وَخُمُسَاهُ لِلْآخَرِ ثُمَّ يَضْمَنُ الْمَوْلَى لِلْأَوَّلِ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ وَثُلُثَيْ جُزْءٍ مِنْ سِتَّةَ عَشْرَ جُزْءًا وَثُلُثَيْ جُزْءٍ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَذَلِكَ فِي الْحَاصِلِ خَمْسًا بَدَلَ مَا سَلَّمَ لِلْآخَرِ مِنْ هَذَا الثُّلُثَيْنِ إلَّا إنَّهُ إذَا بَنَى الْجَوَابَ عَلَى الْقِسْمَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْأَوَّلَ ضَرَبَ فِيهِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَالْآخَرُ بِسِتَّةِ آلَافٍ وَثُلُثَيْ أَلْفٍ وَلِهَذَا قَالَ مَا قَالَ وَفِي الْحَقِيقَةِ رُجُوعُهُ عَلَى الْمَوْلَى بِخُمُسَيْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَتْلَفَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حِينَ دَفَعَهُ إلَى صَاحِبِ الْعَيْنِ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ وَاسْتَحَقَّ بِالْجِنَايَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى صَاحِبِ الْعَيْنِ لِمَا قُلْنَا إنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِسَبَبِ جِنَايَةٍ كَانَتْ فِي ضَمَانِهِ.
قَالَ وَإِذَا قَتَلَتْ الْأَمَةُ قَتِيلًا خَطَأً ثُمَّ وَلَدَتْ بِنْتًا ثُمَّ قَتَلَتْ الْبِنْتُ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ إنَّ الْبِنْتَ قَتَلَتْ الْأُمَّ فَاخْتَارَ الْمَوْلَى دَفْعَهَا ضَرَبَ أَوْلِيَاءُ قَتِيلِ الْأَمَةِ فِيهَا بِقِيمَةِ الْأُمِّ وَأَوْلِيَاءُ قَتِيلِ الْبِنْتِ بِالدِّيَةِ لِأَنَّ الْبِنْتَ فِي هَذَا الْحُكْمِ كَجَارِيَةٍ أُخْرَى لِلْمَوْلَى فَإِنَّ حَقَّ وَلِيِّ جِنَايَةِ الْأُمِّ لَا يَثْبُتُ فِي الْبِنْتِ ثُمَّ قَدْ وُجِدَ مِنْ الْبِنْتِ جِنَايَتَانِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْحُرِّ وَالْأُخْرَى عَلَى الْأُمِّ وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ بِحَقِّ أَوْلِيَاءِ جِنَايَةِ الْأُمِّ فَإِنْ دَفَعَهَا الْمَوْلَى ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهَا بِمِقْدَارِ حَقِّ أَوْلِيَاءِ الْأُمِّ بِقِيمَةِ الْأُمِّ وَوَلِيُّ الْحُرِّ بِالدِّيَةِ فَتُقْسَمُ الْبِنْتُ بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى فِدَاءَ الْبِنْتِ دَفَعَ قِيمَتَهَا إلَى وَلِيِّهَا وَقِيمَةَ الْأُمِّ إلَى وَلِيِّ الْأُمِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِهَا بِمَا يَثْبُتُ فِيهَا مِنْ الْحَقِّ بِاعْتِبَارِ جِنَايَتِهَا وَلَوْ كَانَتْ الْبِنْتُ فَقَأَتْ عَيْنَ الْأُمِّ.
فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى دَفْعَهَا دَفَعَ الْأُمَّ بِجِنَايَتِهَا وَدَفَعَ الْبِنْتَ يَضْرِبُ فِيهَا أَوْلِيَاءُ قَتِيلِهَا بِالدِّيَةِ وَأَوْلِيَاءُ قَتِيلِ الْأُمِّ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْأُمِّ لِأَنَّهَا عَلَى غَيْرِ الْأَمَةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِيهَا حَقُّ أَوْلِيَاءِ الْأُمِّ وَالْعَيْنُ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَلِهَذَا ضَرَبُوا فِيهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْأُمِّ وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فِيهِمَا فَدَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَشَرَةِ آلَافٍ أَرْشَ جِنَايَتِهَا وَقَدْ خَلَطْنَ بِحَقٍّ فِيهِمَا لِلْمَوْلَى وَلَا تُعْتَبَرُ جِنَايَةُ الْبِنْتِ عَلَى الْأُمِّ وَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ فِي الْأُمِّ وَالْفِدَاءَ فِي بِنْتٍ دَفَعَ الْأُمَّ إلَى أَوْلِيَاءِ جِنَايَتِهَا وَفَدَى الْبِنْتَ بِالدِّيَةِ إلَى أَوْلِيَاءِ قَتِيلِهَا وَبِنِصْفِ قِيمَةِ الْأُمِّ لِأَوْلِيَاءِ قَتِيلِ الْأُمِّ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْ نِصْفَ الْأُمِّ بِجِنَايَتِهَا وَهِيَ جِنَايَةٌ مُعْتَبَرَةٌ بِحَقِّ أَوْلِيَاءِ جِنَايَةِ الْأُمِّ وَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ فِي الْبِنْتِ وَالْفِدَاءَ فِي الْأُمِّ فَدَى الْأُمَّ بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَدَفَعَ الْبِنْتَ إلَى أَوْلِيَاءِ جِنَايَتِهَا لِأَنَّهُ حِينَ فَدَى الْأُمَّ صَارَتْ هِيَ مُخَالِفَةً لَهُ فَجِنَايَةُ الْبِنْتِ عَلَيْهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَلِهَذَا دَفَعَ الْبِنْتَ إلَى أَوْلِيَاءِ جِنَايَتِهَا وَلَوْ فَقَأَتْ الْأُمُّ عَيْنَ الْبِنْتِ بَعْدَ مَا فَقَأَتْ عَيْنَهَا فَاخْتَارَ الْمَوْلَى دَفْعَهُمَا فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْبِنْتَ وَإِنَّمَا يَبْدَأُ بِهَا لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي ابْتَدَأَتْ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْأُمِّ فَيَضْرِبُ فِيهَا أَوْلِيَاءَ قَتِيلِهَا بِالدِّيَةِ وَوَلِيَّ قَتِيلِ الْأُمِّ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْأُمِّ ثُمَّ يَكُونُ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ مِنْ الْبِنْتِ مَعَ الْأُمِّ وَيَدْفَعُ الْأُمَّ وَمَا أَصَابَهَا بِأَرْشِ عَيْنِهَا مِنْ الْبِنْتِ فَيَكُونُ مَا دَفَعَ بِهَا مِنْ الْبِنْتِ لِوَلِيِّ قَتِيلِ الْأُمِّ خَاصَّةً لِأَنَّ الْأُمَّ حِينَ ثَبَتَتْ الْجِنَايَةُ الْأُولَى كَانَتْ عَيْنُهَا صَحِيحَةً فَيَثْبُتُ حَقُّ الْمَوْلَى فِي بَدَلِ تِلْكَ الْعَيْنِ.
وَلَا مُزَاحَمَةَ فِيهِ لِأَوْلِيَاءِ جِنَايَةِ الْبِنْتِ وَهِيَ عَوْرَاءُ فَلَا يَثْبُتُ حَقُّهُمْ فِي بَدَلِ عَيْنِهَا ثُمَّ يَضْرِبُ وَلِيُّ قَتِيلِ الْأُمِّ فِي الْأُمِّ بِمَا بَقِيَ مِنْ الدِّيَةِ وَيَضْرِبُ فِيهَا وَلِيُّ جِنَايَةِ الْبِنْتَ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْبِنْتِ فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ طَعَنُوا فِي هَذَا الْجَوَابِ فَقَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يَضْرِبَ أَوْلِيَاءُ قَتِيلِ الْبِنْتِ فِي الْبِنْتِ بِالدِّيَةِ إلَّا مِقْدَارَ مَا يَصِلُ إلَيْهِمْ مِنْ الْأُمِّ بِاعْتِبَارِ جِنَايَتِهَا عَلَى نِصْفِ الْبِنْتِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمَالُ وَبِاعْتِبَارِ الْمَالِ سَلِمَ لَهُ هَذَا وَلَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّ لِأَنَّ عِنْدَ دَفْعِ الْبِنْتِ لَمْ يَصِلْ إلَى أَوْلِيَاءِ قَتِيلِهَا شَيْءٌ بَعْدُ فَيَضْرِبُونَ بِجَمِيعِ الدِّيَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ رَجُلًا لَوْ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلِرَجُلٍ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَاقْتَسَمَا الْأَلْفَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْأَلْفَيْنِ أَبْرَأَهُ عَنْ الْأَلْفِ لَا يَتَغَيَّرُ بِهَذَا الْإِبْرَاءِ حُكْمٌ تِلْكَ الْقِسْمَةِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ اخْتَارَ الْوَلِيُّ الْفِدَاءَ فِيهِمَا فَدَاهُمَا بِدِيَتَيْنِ وَأَمْسَكَهُمَا جَمِيعًا لِأَنَّهُ يُفْدِي كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِدِيَةِ قَتِيلِهَا وَقَدْ خَلَصَتَا لِلْمَوْلَى وَلَا يُعْتَبَرُ جِنَايَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبَتِهَا.
قَالَ وَإِذَا قَتَلَتْ الْأَمَةُ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ وَلَدَتْ بِنْتًا ثُمَّ إنَّ ابْنَتَهَا قَتَلَتْهَا فَإِنَّهُ يُقَالُ لِمَوْلَاهَا ادْفَعْهَا أَوْ افْدِهَا بِقِيمَةِ الْأُمِّ لِأَنَّ الْبِنْتَ فِي هَذَا الْحُكْمِ كَجَارِيَةٍ أُخْرَى لِلْمَوْلَى.
وَلَوْ جَنَتْ الْأَمَةُ وَهِيَ حَامِلٌ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهَا فَالْوَلَدُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ الْوَلَدَ زِيَادَةٌ انْفَصَلَتْ عَنْهَا قَبْلَ تَقَرُّرِ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِيهَا وَإِذَا وَلَدَتْ آخَرَ بَعْدَ الدَّفْعِ فَهُوَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْمِلْكِ.
وَلَوْ جَنَتْ الْأَمَةُ جِنَايَةً خَطَأً ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدَهَا فَقَطَعَ الْوَلَدُ يَدَهَا فَالْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ الْأُمَّ وَنِصْفَ قِيمَتِهَا إلَى أَهْلِ الْجِنَايَةِ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهَا وَوَلَدَهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَأَعْطَى الْأَرْشَ لِأَنَّ الْوَلَدَ بِمَنْزِلَةِ مَمْلُوكٍ آخَرَ لِلْمَوْلَى إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ أَوْلِيَاءِ جِنَايَتِهَا وَقَدْ أَتْلَفَ الْوَلَدُ نِصْفَ الْأُمِّ فَتُعْتَبَرُ جِنَايَتُهُ عَلَيْهَا بِحَقِّ أَوْلِيَاءِ جِنَايَتِهَا فَلِهَذَا خَيَّرَ الْمَوْلَى عَلَى مَا بَيَّنَّا سَوَاءٌ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا أَوْ مِثْلَ نِصْفِ قِيمَتِهَا وَلَوْ جَنَى عَلَيْهَا عَبْدٌ لِغَيْرِهِ فَأَخَذَ الْأَرْشَ أَعْطَى مِنْ ذَلِكَ أَرْشَ جِنَايَتِهَا وَأَمْسَكَ الْبَاقِيَ لِأَنَّ جِنَايَةَ عَبْدِ الْغَيْرِ عَلَيْهَا مُعْتَبَرَةٌ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَإِذَا قَبَضَ الْأَرْشَ الْتَحَقَ ذَلِكَ بِسَائِرِ أَمْلَاكِهِ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ ذَلِكَ أَرْشَ جِنَايَتِهَا وَيُمْسِكَ مَا بَقِيَ مَعَهَا كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ أَرْشَ جِنَايَتِهَا مِنْ سَائِرِ أَمْلَاكِهِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَجِنَايَةُ الْوَلَدِ عَلَيْهَا هُنَاكَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِحَقِّ الْأُمِّ وَإِنَّمَا كَانَتْ مُعْتَبَرَةً لِحَقِّ وَلِيِّ جِنَايَتِهَا وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَوَلِيُّ جِنَايَتِهَا فَقَالَ الْوَلِيُّ جَنَتْ وَهِيَ صَحِيحَةٌ ثُمَّ فَقَأَ رَجُلٌ عَيْنَهَا فَالْأَرْشُ لِي وَقَالَ الْمَوْلَى جَنَتْ بَعْدَ الْفَقْءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْوَلِيَّ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ مَالٍ فِي يَدِ الْمَوْلَى وَيَدَّعِي تَارِيخًا فِي جِنَايَتِهِ سَابِقًا عَلَى وُجُوبِ الْأَرْشِ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا فَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الَّذِي جَنَى عَلَيْهَا الْقَتِيلُ نَفْسَهُ أَوْ وَلِيَّهُ ثُمَّ اخْتَلَفَ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمَوْلَى لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يُنْكِرُ سَبْقَ تَارِيخٍ يَدَّعِيه الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْمَوْلَى إثْبَاتُ مَا يَدَّعِيه بِالْبَيِّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.